الاثنين، 5 سبتمبر 2011

يا حزنَ أيلول

أشعرُ بِ ثقبٍ يتسعُ في صدري ,
هذهِ المرة . . الثقبُ لا يُجاري أيّ ألمٍ سابِق . .
هوّ يتسعُ و يجرحُ صوتي , في بُكاءٍ طويل . . لا يقيني حجمَ الفاجعة و لا يُخففُ عني هولَ كُلِ ما حدث !
رأسي أصبحَ كـ ألةِ التصوير , يعيدُ كُل كُل اللحظاتِ معك !
و قلبي لا يحتمِلُ صرخاتِ عُمقي , فأراهُ في حُضنِكَ يتفتت . . !
في كُلِ لحظة ألتفتُ لكلُ الوجوهِ حولي . . و أردد : إنها مزحة ؟ أليسَ كذلك ؟ هوّ لم يتركني . . !
و لا يُجيبُني سوى بُكاءُ أمي . .!
يحرقني و يُقيّدُ كُل تصرفاتي , فلا أقِفُ معها في حُزنِها و أنا بِكرُها , و هي بِكرُكَ , و أنا لا نفعَ لي حولها , أنا فقط أزيدُ مِن حِرقتِها , و أجمدُ و بصري يأكله الدمع , فتختفي كُل الوجوه , و لا يبقى غير بُكائِها . . يُبعثرني !
صباحُ المدينةِ يا جدي . .
ترددتُ طويلاً في الكتابةِ إليك , لأني أعلمُ جيّداً . . أن الحرفَ الذي يُرسلُ إليك , سيقفُ طويلاً صامِتاً ينتظرُ ردك . . !
أتعتقدُ أنَ روحكَ ستجولُ شوارِعَ حرفي ,
تلملمُ ما يسقطُ مِن فاجعتي عليك , تتركُ لي خبراً عنك . .
تُلوّحُ لي روحكَ , و الأجمل مِن هذا كُلهِ تزرعُ صوتَكَ على كتفي , فأسمعُكَ كُلما أزهرَ ياسمينُ حنيني إليك !
أجبني فقط , لماذا دائِماً يرحلُ عنا الطيبون يا جدي ؟
هذهِ الحياةُ ابتسمت طويلاً في وجهي , كانت تُخبئ الخيبةَ الكبيرة , لتكسرني مرة واحدة , رغمَ عظيم صبري . . و رغمَ أني أحببتُكَ بِ كامِلِ وفائي إليك , و كامِل يقيني أني إن خُيّرتُ لأختار أيّ الرجالِ أريدُكَ أن تكون , لأخترتُكَ كما أنت . .
فأنتَ لستَ برجلٍ عاديّ ,
و وجعي عليكَ ليسَ عادياً ,
يا حنينَ الماضي , و يا ابتسامةَ الفجرِ , و يا شفقاً بعثِرَ بِ رقة على رقعةِ بحرٍ يتلبسُ بِ سِحرِكَ ,
يا طيّب ,
أخبرني كيفَ أنت ؟
أتعلم , كثيراً ما كنتُ أتسائل , في سري . . لماذا فتياتُ هذهِ المدينة , لا يحملنَ ذكرياتٍ خاصة مع أباءِ آبائِهم ,
و مازلتُ أتوّجُ علاقتكَ معي , و اخوتي بِ الأجمل . .
استنتجدتُ أخيراً في حديثِ أحدهم , أن الأجداد من المتوقع فِقدانُهم , فـ الموتَ لا ينسى أحداً . . و من المتوقع موتهم أكثر من غيرِهم !!
كان حديثه فظاً جداً , أنكرتهُ في عُمقي , و خبأتُ وجهي بينَ كفيّ , و بكيتُ طويلاً . . يا جدي !
كنتَ و مازِلت الأجمل , كنتَ و مازِلت روحَ القمحِ التي جبلَ بِها قلبي ,
و كم محظوظة فرحتُكَ الأولى , بِ كونِها مِن صُلبِك . .
أعلمُ جيداً أنكَ ستفهمُ حديثي حتى لو كنتَ لا تُجيدُ مِن العربيّة سوى إلقاءِ السلام . . و صوتُ فيروزُ الذي يُحركُ فيكَ حناناً إليّ كُلَ مرّة !
و أعلمُ أن شغفكَ بِي لن ينتهي حتى لو ادعى هذا الكون أنه انتهى , فأنتَ بي لن تنتهي أبداً ,
أتعلمُ تساءلتُ كثيراً كيفَ سيكونُ وقعُ خبرٍ كهذا على أخي , المُسافِر الذي أعلم جيداً أنه سيبكي طويلاً كما أبكيكَ أنا , أتذكر كيفَ قاسمني أمسياتي معكَ , رافقنا في رِحلاتِنا الطويلة إلى تِلكَ الغابات إلى مسارِح المدينة , إلى الحدائِق و متاحِفِ الشمعِ و الحرب , و إلى حكاياتِكَ التي كنتُ أنا دائِماً الأميرة التي تختمُ أحداثُ قِصصها بِ السعادة الأبديّة بِ فضلِك !
أخي مازالَ يحلمُ بِ قيادةِ طائِرة , فكُلما كانَ يرى زيّكَ و تِلك القُبعة الأنيقة , كانَ يُصرُ أكثر على أن يكونَ كـ أنت ,
طياراً , يسبحُ بينَ السحابِ , معلق في السماءِ . . يرى المدينة صغيرة , صغيرة جداً جداً . . يراها بِ حقيقتِها كـ دنيانا هذهِ صغيرة و ضيقة . . و كُلُ طُرقاتِها تؤدي إلى مصيرٍ واحِد !
كلانا ورِثَ عنكَ عِشقَ أحجارِ الشطرنك ,
و كلانا خطط طويلاً لِـ ادهاشِكَ في زيارتِنا المُقبِلة ,
كلانا كانَ يُدهش أمامَ خِفتِكَ في استعمالِ تِلكَ الأوراق المُرقمة ,
و كلانا كانَ يبذلُ كل جهدهِ لِـ ينالَ إعجابكَ في زيارتِنا المُقبِلة ,
أطالَت مواعيدنا ؟ و مُدت أعذارُنا ؟
فمللتَ انتظارنا ؟ أم أن الشوقَ كانَ يتفشى بِكَ إلى أن أضغفكَ ,
فغادرتنا !
لا لم تُغادِرنا ,
افتح عينيّك , و هاتفني ,
مد لي صوتَك و حديثك ,
أخبرني ككلِ مرة , أني و إن كبرتُ سأبقى فرحتكَ الأولى و الصغيرة الجميلة التي ستختِمُ لها النهاياتِ السعيدة في قِصصك , ستصطحبها في رِحلاتِ الصيدِ , و ستُجاريها بِ احتضانِ أمواجِ البحرِ الذي تذوّق دفئك طويلاً !
لا تجعل نِهاية سعادتي , على يديّك . .
كيفَ سيتحملُ قلبُ صغيرتِكَ تِلكَ الذكريات , تِلك الروحُ التي خبأتها فيها منذُ وِلادتِها , المرتبطة جداً بِك !
مد لي صوتك , في حديثٍ أخير , أرجوك !
فقط فقط لأخبركَ أني أحبكَ و أحبكَ جداً , و جداً جداً !
و أني أحبكَ في كُلِ يوم أكثر . .
لأقبِلَ عينيّكَ , لتمسحَ بِ كفيّكَ وجعي . . !
لتُخبرني ككل مرّة أن أعتني بِ زهرةِ قلبِك , بِ بِكرِكَ
و لتخبئ في أذني , شوقكَ ,
و حنينكَ . . لِـ الطفلةِ التي تأرجحت طويلاً في فناءِ منزِلك !
يا وجعي , يا حزنَ أيلول ,
و يا بُكاءَ المدينة ,
أخبروني أن اليومَ ستكفن , و ستُقام مراسِمُ دفنٍ تليقُ بِ رجلٍ طيّبٍ مثلك . .
و سيحضُرُ كُلُ مَن عرفَك ,
الكل , إلا أنا . . فتباً لجوازات السفر , لتلك الحدود , و لتأشيرةَ تُعاندُ صبري إليك !
 
صحيح , أمي ليست فقط زهرة قلبِك , هي زهرة روحي . . و ساعتني بِها جيداً .
أنا ؟
أنا لا أدري ,
أنا , أتحسسُ قلبي ,
و لا أجدُ سوى هذا الثُقب ,
أنا فقط أحتاجُكَ يا جدي (:

هناك تعليقان (2):

  1. مدى، يا مدى . .
    ما الذي اقترفه الحزن بقلبكِ يا صديقة الماضي؟
    في أوقاتٍ كهذهِ، يسقط كل شيء، كل المواقف، و التواريخ. . و الحدود، و يبقى القلبُ وحدهُ صامداً، ملوّحاً براية مشاعره. .
    وهذهِ مشاعري، تعرّت اليوم من كل شيء إلا من حُبٍ ارتدتهُ يوم صادقتُكِ . .
    هذهِ مشاعري، التي أزاحت كل التراكمات، و جاءت تحتَ بابكِ الصغير هذا، لتواسيكِ. .
    من قال أن الطيبين يرحلون يا مدى؟
    لا يرحل راحل، ولا يغيبُ غائب . . ما دام حاضراً في الذاكرة. .
    و جدّكِ العظيم، حيٌّ في قلبكِ، خالدٌ على حرفكِ.. يبتسمُ لكِ صباح، يرنّم أذنيكِ بتوصياته، و يغازلكِ يا حفيدته الجميلة بشوقه إليكِ، و بحنينه إلى العربيّة المرسومة على ملامحكِ، و المدفونة في جيوب صوتكِ . .
    لن يسرقهُ المصير الأوحد منكِ، وأنتِ تدثرينه بحبّكِ عن من بلادة النسيان!
    افرحي بجدّكِ الذي أورث قمح روحه إلى بكرهِ، و من ثم إليكم، أنتم يا من تحييون روحه في أجسادكم الآن.
    لا تجزعي يا مدى الصغيرة . .
    الأجساد قيود تبور، وتتعفن . . كما يتعفن كل شيء ويعلن انتهاء صلاحيته في هذهِ الدنيا.
    الأرواح تبقى حيّة، تجول بيننا، تحادثنا، تشعرُ بنا، وتربتّ على أكتافنا حين لا يسمع نحيبنا أحد.
    هم يتشكلون في كل شيء طيّب في هذهِ الأرض، ولذلك لا يغيبون . .
    و جدّك الحنون، ستجدينه معجوناً بلّب قلبكِ الطيّب، لا يغيب.
    تصالحي مع حزنكِ يا طيّبة، لا تجعليه متمرداً فيؤذيكِ.
    تصالحي معه، لتزهري من رحم ثقبٍ خلقه هذا الفقد المُسلّم به.
    إن الظروف الحالكة، إما أن تكسرنا، أو أن تقوي عودنا على مواجهة خيبات الدنيا التي لا تنتهي.
    و كل الجانبين، رهن إرادة من نفسكِ.
    فلا تخيبي ظنَّ جدكِ فيكِ، يا بكرَ أمكِ، و يا فرحة مرحومكِ الصغيرة. .
    استقيمي، و مدّي حاجتكِ بين يدي الله، و حينها سيكونُ لكِ السند، والعون . .

    لقلبكِ، أمنيات بالخير تسد ثغرة حزنهِ.
    و عظّم الله أجركِ"أضعاف" محبّة هذا المرحوم في قلبكِ.

    و إنا لله وإنا إليه راجعون.

    +(f)

    ردحذف
  2. الذاكِرة نافِذة , ننسانا وراءها . .
    نعبُرها في كُلِ تيه ,
    نعبُر إليها في كُلِ ألم , وِحدة و حزن !
    و الفواجِع العظيمة تستحضِرُ كُل الذكريات ,
    و تجعلها تشتعلُ كأقواسِ المطر , و لكن بلونٍ رمادي و بِ رمادٍ ندمن استنشاقه !
    صدقاً تهربتُ كثيراً من وجعي ,
    و لم أستطع أن أتصالح مع الحُزنِ جيداً . .
    مازالَ الوجعُ يحفرُ طريقه على خديّ أمي !
    مازالَت جدتي تستنشِقُ دفء جسدهِ في فراشِها , و تبكي
    و مازلتُ أحاولُ كثيراً أن أتصالحَ مع حُزني و مع قلبي
    و أن أربِتَ على الذكرى مِن دون أن تخلِقَ في عُمقي وادٍ مِن وجع و خوف . . و شوق !
    الشوقُ موجع , عندما يتخطى قدرتنا البشريّة على اختراعِ سُبِل تواصل تقينا مِنه !
    موجع جداً جداً !


    أتعلمين ,
    عندما أمسِكُ بِ قميصهِ
    تفوحُ منه رائِحة السماء !
    صلي مِن أجلي أن تُمطِرَ قريباً , أن تُمطرَ كثيراً
    فحتماً ستمطِرُ رائِحةَ جدي : )


    ::
    ::


    شُكراً لقلبكِ أريج
    و لِـ هذهِ المسافةِ القريبة / العظيمة
    التي أشعلت دفئاً بينَ ضلعيّ .

    ربما أتجاوز الحُزن قريباً
    أعدكِ لحينها سأضع كلامكِ بينَ ردفتيّ قلبي . .
    و أستمعُ إليهِ جيداً . .

    كوني بِ خير . . و شُكراً مرة أخرى .

    " إنا لله وإنا إليه راجعون "

    +(f)

    ردحذف

تحتَ بابي , قلبٌ غافي , فرفقاً بِ خلوتهِ .