لسنا وحدنا من تغيرنا , و لا وحدنا من مرّ من فوقِنا قِطارُ التناقضات
, حتى أننا خلعنا أنفسنا القديمة . . و اختبأنا تحتَ أطباعِنا الجديدة , تحتَ
ذكرياتٍ لا تمدُنا بِ أوجاعِنا , تحتَ مسؤولياتِنا , نُراكِمُ كُل زِحامِ المدينةِ
فوقنا . . فقط لننسى خُطواتنا التي تاهت مِنا و لم نركض خلفها لنلحقنا !
أتظننا تخلينا عنا ؟
أم أننا الآن أفضل مِما كُنا ؟
كثيرة هي الأحاديث التي حُبِست , لأننا لم نُصرّح لها بالتنفس ,
بعضُها يُثيرُ بي ذكرياتي , فأنبشُ عنّي ,
أبحثُ عن الظِل المفقودِ بي , لستُ أدري أينَ سقطَ مني ,
أكانَ سقوطهُ موجِعاً , أكانَ فوقَ ضريحِ جدي ؟ أم مِن خلفِ حُزنِ أمي
؟ أم من ثقبٍ جمعَ في عُمقهِ تراكُماتٍ كثيرة , ملامحُ غُرباءٍ كانوا قديمًا
أصدقاء , فعاثوا في الذاكِرة , فرشوا على أرضِها الخرابَ إلى أن نفتهُم !
أكانَ سقوطُهُ جنّة ؟ فتناسى طريقهُ إليّ ؟ أكانَ فوقَ جسدِ قلبك ,
أكانَ في جيبِ قميصِكَ , أم في زُجاجةِ عطرِك ؟
لستُ أدري لمَ أُبالي بِ ظِلٍ تركني إلى أحزانٍ عظيمة أمارِسُها وحدي
, ثُمَ تعثرَ بي فوقَ صدرِكَ ليُشاركني بِك !
و فوقَ صدري يمسُحُ قدميّهِ قبلَ أن يدخُلَ إلى الغُربةِ التي حوتهُ
طويلًا , ليسَ الخائِن الوحيدَ في مدينتي
صدقني , فلما أبالي إن كانَ مايزالُ خلفي أم تجاوزني إلى غيري ؟
ليسَ غريبًا على ابنةٍ مدينةٍ غارِقة , أن ينفضّ الفرحُ مِن حوِلِ
أحزانِها ,
لستُ أدري أكانت بداياتُ الأحزانِ شماتةً مِن الطفلة التي خبأت روحها
بينَ ضفائرِ عُمري قبلَ أن تُغمِضَ عينيها عن الحياة بِ ابتسامة , أظنُها تبعثُ
برسالة طويلة خلفَ ابتسامتها , كما لو أنّها تُخبِرُ عُمري الطويل مِن بعدِها أن
ما تركتني إليهِ ليسَ بربيعٍ ملوّن كما كانت تُغني أمي في أذني لأغفو كُلما
فُجِعتُ بِ أصواتِ المدينةِ المرتفعة , و بِ وجوهِ ساكنيها ! لا أظنُها تحسِدُني
على طولِ مشواري , و ليست حزينة كما تصورتُها في طفولتي على أيامِها القليلة في
حُضنِ أمي ! و لم تتخلى هي عن الحياة إلا لِ تُغيظني اليومَ و تُربِكَ بي حتى
السؤال !
و لا أدري إن كانت بداياتُ الأحزانِ عندما تركتُ لِ ثقتي بأن تتسعَ فتأوي
فطرتِكَ إتجاهي و كُلُ صفحاتِ حنانِكَ الممددة في عُمري !
لا أدري لمَ دفنتُ ليالٍ
طويلة جمعت بيني و بينكَ بِ جانِبِ قلبي , و عِشتُ رسائِل الشوقِ إلى قلبِك , و
شيدتُ فوقَ ذكرياتِنا قِصة , ألبستُها جسدكَ ليثمِرَ عطرُكَ بين سطورِها , لِ
تفتِنَ بِها قلبي في كُلِ مرّة تُفتحُ بِها فصولُ القِصة ! . . كـ فتنةِ أوّلِ
كلمة خرجت من بينِ شفتيك , كأوِلِ نظرةِ , كأولِ لقاءِ , كأولِ مُحاولة مِنك لِـ
لمسِ أصابعي التي ارتعشت طويلًا و هي تستحضِرُ دفء راحةِ كفّكِ في خيالِها !
خبأتُ عنكَ حكايا كثيرة , كسفري في خطوطِ كفّك , و عودتي مِن كُلِ
دربٍ بلا هويّة , لا أعرِفُني إلا بِك ! كـ ملامحي التي كنت أبعثِرُها خلف خِصلاتِ
شعري كي لا تكشِفَ هوسي بِ جنونِك , كي لا تكشِفَ أمامكَ جنوني بِ هوسك , كي لا
تكشِفَ طعمَ الغرقِ الذي أعيشهُ فيك . . فترتبِكُ أمامك حواسي ! و أراقبني و أنا أخلعني
و أتوه و حقوقي معكَ في رحمِ سماءٍ أنجبتك مِن بعدِ غُربةٍ طويلة , و نست أن
تقسِمَ لي منكَ لقاء آخر , يرتِبُ أوجاع عامٍ كامِل , يعيدُ ترميمَ أحلامٍ شيدت
طويلًا على ضِفةٍ مهجورة , أرهقها الحنينُ إليكَ و الحنينُ فيكَ إلى ضمّة !
لستُ أدري كيفَ لِـ كُلِ أعوامِنا أن تختصِرنا سريعًا , لستُ أدري
تحتَ فمِ أي مقصٍ فقدتُ خيطَ طفولتي , ثُم تشبثتُ بِكَ ليكتمِلُ نضوجُ قلبي فوقَ
رغيفِ هذا الحُب ! أكانَ يجدُرُ بِنا أن نتعمّق فينا ؟ أكانَ يجبُ أن تكتُبَ
أقداركَ بِلعنةِ هذا الهوى فوقَ صدري , فـ أنجِبَ مِنكَ أحلامًا طريّة , تتشكلُ
سريعًا على هيئةِ سمائِك , على هيئةِ منزلٍ صغيرٍ و طِفلة !