الخميس، 3 يناير 2013

. . شويّة حكي


لسنا وحدنا من تغيرنا , و لا وحدنا من مرّ من فوقِنا قِطارُ التناقضات , حتى أننا خلعنا أنفسنا القديمة . . و اختبأنا تحتَ أطباعِنا الجديدة , تحتَ ذكرياتٍ لا تمدُنا بِ أوجاعِنا , تحتَ مسؤولياتِنا , نُراكِمُ كُل زِحامِ المدينةِ فوقنا . . فقط لننسى خُطواتنا التي تاهت مِنا و لم نركض خلفها لنلحقنا !
أتظننا تخلينا عنا ؟
أم أننا الآن أفضل مِما كُنا ؟
كثيرة هي الأحاديث التي حُبِست , لأننا لم نُصرّح لها بالتنفس ,
بعضُها يُثيرُ بي ذكرياتي , فأنبشُ عنّي ,
أبحثُ عن الظِل المفقودِ بي , لستُ أدري أينَ سقطَ مني ,
أكانَ سقوطهُ موجِعاً , أكانَ فوقَ ضريحِ جدي ؟ أم مِن خلفِ حُزنِ أمي ؟ أم من ثقبٍ جمعَ في عُمقهِ تراكُماتٍ كثيرة , ملامحُ غُرباءٍ كانوا قديمًا أصدقاء , فعاثوا في الذاكِرة , فرشوا على أرضِها الخرابَ إلى أن نفتهُم !
أكانَ سقوطُهُ جنّة ؟ فتناسى طريقهُ إليّ ؟ أكانَ فوقَ جسدِ قلبك , أكانَ في جيبِ قميصِكَ , أم في زُجاجةِ عطرِك ؟
لستُ أدري لمَ أُبالي بِ ظِلٍ تركني إلى أحزانٍ عظيمة أمارِسُها وحدي , ثُمَ تعثرَ بي فوقَ صدرِكَ ليُشاركني بِك !
و فوقَ صدري يمسُحُ قدميّهِ قبلَ أن يدخُلَ إلى الغُربةِ التي حوتهُ طويلًا ,  ليسَ الخائِن الوحيدَ في مدينتي صدقني , فلما أبالي إن كانَ مايزالُ خلفي أم تجاوزني إلى غيري ؟
ليسَ غريبًا على ابنةٍ مدينةٍ غارِقة , أن ينفضّ الفرحُ مِن حوِلِ أحزانِها ,
لستُ أدري أكانت بداياتُ الأحزانِ شماتةً مِن الطفلة التي خبأت روحها بينَ ضفائرِ عُمري قبلَ أن تُغمِضَ عينيها عن الحياة بِ ابتسامة , أظنُها تبعثُ برسالة طويلة خلفَ ابتسامتها , كما لو أنّها تُخبِرُ عُمري الطويل مِن بعدِها أن ما تركتني إليهِ ليسَ بربيعٍ ملوّن كما كانت تُغني أمي في أذني لأغفو كُلما فُجِعتُ بِ أصواتِ المدينةِ المرتفعة , و بِ وجوهِ ساكنيها ! لا أظنُها تحسِدُني على طولِ مشواري , و ليست حزينة كما تصورتُها في طفولتي على أيامِها القليلة في حُضنِ أمي ! و لم تتخلى هي عن الحياة إلا لِ تُغيظني اليومَ و تُربِكَ بي حتى السؤال !
و لا أدري إن كانت بداياتُ الأحزانِ عندما تركتُ لِ ثقتي بأن تتسعَ فتأوي فطرتِكَ إتجاهي و كُلُ صفحاتِ حنانِكَ الممددة في عُمري !
 لا أدري لمَ دفنتُ ليالٍ طويلة جمعت بيني و بينكَ بِ جانِبِ قلبي , و عِشتُ رسائِل الشوقِ إلى قلبِك , و شيدتُ فوقَ ذكرياتِنا قِصة , ألبستُها جسدكَ ليثمِرَ عطرُكَ بين سطورِها , لِ تفتِنَ بِها قلبي في كُلِ مرّة تُفتحُ بِها فصولُ القِصة ! . . كـ فتنةِ أوّلِ كلمة خرجت من بينِ شفتيك , كأوِلِ نظرةِ , كأولِ لقاءِ , كأولِ مُحاولة مِنك لِـ لمسِ أصابعي التي ارتعشت طويلًا و هي تستحضِرُ دفء راحةِ كفّكِ  في خيالِها !
خبأتُ عنكَ حكايا كثيرة , كسفري في خطوطِ كفّك , و عودتي مِن كُلِ دربٍ بلا هويّة , لا أعرِفُني إلا بِك ! كـ ملامحي التي كنت أبعثِرُها خلف خِصلاتِ شعري كي لا تكشِفَ هوسي بِ جنونِك , كي لا تكشِفَ أمامكَ جنوني بِ هوسك , كي لا تكشِفَ طعمَ الغرقِ الذي أعيشهُ فيك . . فترتبِكُ أمامك حواسي ! و أراقبني و أنا أخلعني و أتوه و حقوقي معكَ في رحمِ سماءٍ أنجبتك مِن بعدِ غُربةٍ طويلة , و نست أن تقسِمَ لي منكَ لقاء آخر , يرتِبُ أوجاع عامٍ كامِل , يعيدُ ترميمَ أحلامٍ شيدت طويلًا على ضِفةٍ مهجورة , أرهقها الحنينُ إليكَ و الحنينُ فيكَ إلى ضمّة !

لستُ أدري كيفَ لِـ كُلِ أعوامِنا أن تختصِرنا سريعًا , لستُ أدري تحتَ فمِ أي مقصٍ فقدتُ خيطَ طفولتي , ثُم تشبثتُ بِكَ ليكتمِلُ نضوجُ قلبي فوقَ رغيفِ هذا الحُب ! أكانَ يجدُرُ بِنا أن نتعمّق فينا ؟ أكانَ يجبُ أن تكتُبَ أقداركَ بِلعنةِ هذا الهوى فوقَ صدري , فـ أنجِبَ مِنكَ أحلامًا طريّة , تتشكلُ سريعًا على هيئةِ سمائِك , على هيئةِ منزلٍ صغيرٍ و طِفلة ! 

الجمعة، 24 فبراير 2012

ضجر !


لا تنظر إليّ , بِ عينِكَ التي تسرِقُ بِ سوداويتها كُلَ ترتيباتي !
أتكونُ قاسياً , و واثقاً بأنكَ ستشارِكُني حتى ذاكِرتي العامِرة بِ سواك !
بِ كُلِ المحطاتِ التي تستطيعُ أن تُلهيني مجرّد الفكرة بِ تجربةِ إحداها من جديد , حتى لو كانت حدود التجربة لا تتعدى ذاكِرة شائِكة و ذكريات .
كنتُ أراقِبُ النافذة بِ شرود ,
و كانت فكرة الإقتراب منك , و عبورَ حدودِكَ تُرعبني ,
أصابني الذهول , و أصبحت تفاصيلُ النافذة تُغريني . . القضبان الحديدة التي تُمسكني عن العالم الخارجي , الزجاج الذي يعكِسُ وجهي الممتلء بِك , و أحاولُ جاهدة ان أتجاهلَ وجهي و أن أبقي عينيّ على ما خلفَ النافِذة , مِن غُصنٍ يدورُ في مكانهِ , و لا يتوبُ عن مطاوعةِ الرياحِ و هيّ تداعبة , بل يبقى مستمتعاً بِ كُلِ لمساتِها المارة فوقه و تحته , و يبقى مائِلاً نحو النافذة كما لو أنّهُ يحاول تضييقَ نِطاقِ تِلك المداعبة بِ إلتصاقه بِ زُجاج النافذة و لكن دونَ أن يجرحَ صوتَ الريحِ أو يُكدِرَ عليها عملها .
مازلتُ أحاولُ أن أتجاهلً وجودكَ داخلي ,
أحاولُ جاهدة أن أراقِبَ كُل ما يدورُ حولي , فتصبحُ لكلُ الجماداتِ حكايا أنسجها في رأسي ,
هل أخبرتُكَ أن كوبَ والدي يتسابقُ ليلاً خِلسة إلى كفيّ والدتي , يلعقُ شفتيها و يرتشفُ عسلها و يُقبِلُها قبلَ أن تغفو لينقل في اليوم التالي دفئها إلى قلبِ والدي . .
ربما لهذا السبب خلفَ تِلكَ الهالة الضخمة , و تِلكَ الملامِحِ الجامِدة قلبٌ حنون , رؤوف . . يستطيع أن يكونَ مدفئة مِن بردِ الزمان , و معطفاً يقينا التعري دونَ أن نُدرِكَ أنه يفعل . .
لا تحدق بِ ذهول , نعم مازلتُ أؤمنُ أن خلفَ كُلِ ما يصلُنا , في هذا العالم سبب , و أنه لولا تلك الأسباب التي نجهلها لما كُنّا في سيناريو الحياةِ نخوضُ , بينَ ضحكة و دمعة
كما لو أننا مسلسل لا تكتملُ فصولة , و يبقى الفصلُ الأخير من كُل حكايانا ما نطمحُ إليهِ , و يبقى نفس الفصل هوّ خيبتنا التي نحمِلُها و نلقيها فوقنا , و نسيرُ بِها ظانين أننا بتجاوزها سنجاوز خيبتنا العظمى , لنتفاجأ أن للفصل الجديد خيبة أعظم !
لا تشفق علي , بل اشفق على حالِك . . فأنت مازِلتَ ملتصقاً بي ,
لا تتجاوزني رغمَ كُل محاولاتي الجادة في تجاوزك !
أيرضيكَ أن تكونَ مرضاً أبحثُ عن دوائي مِنك , بِ تجاوز فكرة وجودك حولي ؟
أيرضيكَ أن يُلهمني ثُقبُ بابٍ منفذاً منك , أن تكون النافذة التي لا تحملُ غير لونِ طبيعتنا في جوفها ملاذي عنك ؟
أيرضيك أن تكون كُل محطاتي معكَ , منسيّة ؟
لا أذكُرُك فيها و لا أذكرني معها . .
أنتَ فقط أسيرُ لحظةِ , أو ساعة , ربما أسيرُ عامٍ أو عامين . . و لكنّكَ لن تتجاوزَ بِ كامِل قوّتك و كامِل قُدراتِكَ أكثر من ذلك .
مازلتُ أراقِبُ عبرَ النافذة , كُل ما يمكن أن تحصيهِ عيني , و أحصي كُل الوجوه إلا وجهي . .
و أبتعد بِ كُلِ الوجوهِ عنك . .
من خلفِ النافذة , فتاة ترسمُ في صدرِ الصبي قلب ,
أراها بِ ابتسامتها تزرعُ أولى بذورِ الحُب , تجعله يظن أنه الآن ملك ,
و أن الدنيا لن تتجاوزَ وجوده معها , و أن بوجودها معه قد حرث من الدنيا جنتها ,
يرمقها بِ خجل , كيفَ تكونُ الفتيات في هذا السن أكثرَ جُرأة , و أكثرَ لؤم !
أتظنُها ستجعله يخوضُ تجربة أن يرسمها في ليلهِ شمس , ثم يستيقظ في صباحهِ و يُلبِسها عينه , فلا يُفارِقها في شروده , و لا يتفانى عن تشييد قصائد شعرٍ تمشي هي فوقها , إن أعجبتها تصدقت عليهِ بِ نظرة , و إن لم تعجبها علا صوتُ ضِحكتها شوارعَ الحي .
أمازلتَ لا تنوي تجاوزي ؟
عني , أؤمن أن سماء الله واسعة , أستطيعُ تخبئة أمانيّ كثيرة فيها , و لكني لن أسرف بِ محصولي من الأماني عليك . . و إعلم أني إن أردت لن يخذل الله تلك الأماني , سيجعلها تتساقطُ مطراً على أراضينا , ستبللنا يوماً , ستروينا . . !
لا ترمقني بِ نظراتٍ غريبة , تُبدِلُ معها ملامحي . .
حتى لا أخذِلكَ و أنا أحصيني فيك . . فأخبؤني بعيداً عنكَ ,
و أمسحُ خرائِطَ عودتي إليك . .
نعم أستطيع , أتظن أن الملائِكة تبكي ؟
أظنها تبكي , و بُكاؤها هوّ النورُ الذي يصِلُنا مع كُلِ نجمة . .
قداسة خلقِها تجعلها عظيمة حتى في خيالاتِنا . .
أظنها أيضاً تحزن , و تموت . . و موتُها يصلنا على هيئةِ نسيمٍ عليل , يردُ لنا أرواحنا و يردُ للأرضِ عبيرَ أشجارِها .
هي في وجعنا , تدعوا لنا بالتفريج , و نحن على أوجاعِها نهيم , و نعلّقُ ضحكاتِنا , و نقيمُ نزهاتِنا .
أرأيت ؟ أستطيعُ تشتيتي منك , بأبسطِ أحاديثي و أكثرها سذاجة !
مازلتُ أراقبُ ذات النافذة , و أراكَ في وجهي ,
تنحى قليلاً و ابتعد عن تفاصيلي ولا تُقحم نفسكَ بوجهي . . النافذة تتسعُ لي و لك !

غياب . .


أشتاقُك و فكرة طولِ غيابِكَ تأكُلُ رأسَ حُلمٍ صغير ,
لو أنني أستطيعُ لملمة ما تبقى من هذا الغياب , و اخفاءه عن حكايتنا . .
لو أن الغياب أكثرَ حناناً معنا , لو أنه لا يسد عنا طريقَ الوِصال , و لا يظهر كـ صوتٍ ناقص " يُفزِعُنا "
لو أن الغياب يا حبيبي لا يركُلنا , و لا يؤلمنا , و لا يوسِعُنا حُزناً و حنيناً . . لما كُنتُ أصمت طويلاً كُلما زارني شوق جديد , و أكتفي بِ ابتلاعِ حُلمٍ تلو الحُلم , حتى لا تُفزعك ضآلة الأحلامِ في كوني الـ متسع بِ هذا الغياب .

أكنا لنكونَ أكثرَ وضوحاً من بابٍ يقفُ شامِخاً أمامَ أمانينا معلناً أن الدخولَ إلى عالمٍ تغيبُ رائحتكَ فيهِ عن قطنٍ يحتضنُ غفوتي , شائِك . !
أكنا لنكونَ أكثرَ مرونة مِن نافِذة أهلكها صريرُ مفاصِلها فما عادت تميّزُ بينَ نسمةٍ طيبة و أخرى تحمِلُ لها البرد !
أيفعل الغيابُ كُل هذا ؟ تصبِحُ كُل الطرقات موجهة إلى سمائِك . .
و أنا لا أحتملُ أن يغتصبَ ضوءُ وجهِكَ , عُزلتي فيك !
كل الجمادات تُحاكي أحزاننا بِ صخب !
و كُل الأغنيات تلبِسُنا بِ سُخريّة , لتذكرنا أن هروبنا إليها ليسَ إلا إمتداد لوجعٍ آخر !

لو أن الغيابَ ما كانَ بيننا ,
أكنتُ سأحملُ وزرَ صمتي الطويل أمامك , و صوتُكَ المُسافر عني ؟
أكانت لتكونَ تفاصيلُنا هارِبة , صيفُنا بارِد , و شتاؤنا هل كانَ ليضلَ الطريق عنّوة , حتى لا ندهشَ لِـ ارتفاعِ حرارته أمامَ هذا الغياب !

أكنتَ لو أن الغياب لم يسرِقكَ مني , ستغفو أمامَ عينيّ , و تحشُرُ صوتكَ في قلبي , فنستيقظُ معاً و قلبي بِكَ يُغني !
أكانت ستلهمنا الأغنية إمتدادَ ضِحكتي فيك , أكانت ستنمو قصتنا بِ ذاكَ الدفءِ و تصهرَ بِ حنانِها جمودَ الفِراشِ , و صمتَ الحديث !
أكنتَ لو أن الغياب لم يسرقكَ مني , تشيّدُ لي من جِسراً ممتلئاً بِ أقفالٍ من حديد مُلوّن

تخبئ لي بينَ ضفتي كُلِ قفل , رسالة يتكفلُ القدرُ بِ حفظها , تماماً كـ عهدِ الحُبِ الذي قطعناه , فطوى ملامحهُ الغيابُ دونَ رأفة !
صوتُكَ أغنية ملائكيّة , و أصابعي قيثارة تُجيدُ عزفَ كُلِ الملامِحِ التي نتذكرنا بِها ,
ترقصُ الدنيا على وقعِها حتى تفقدَ توازنها أمامنا , و أنا وحدي ممددة في قلبكَ ,

كُلما سألتني : أتشتاقين ؟
أجيب : أشتاقك أكثر !

أحفظُكَ و أستطيعُ تسميعَ ارتباكِ أصابِعكَ بينَ كفيّ ,
و رعشةٌ تحقنُ شفتيّكَ بِها ,

و ضوءٌ يفضحُ شوقكَ , يتجاوزُ حدودَ بؤرتِكَ , يجعلها تتسعُ . . و يتركني غارقة فيك !

أتحفظني ؟
كُلما خَجِلَ الصمتُ مِن خُطى أنفاسِكَ , شهقتُ
فـ تنهدتَ أنت !

ما أخفَ قلبي حينَ يتركني الحنين , و ما أثقلَ رأسي عندما تغزوني كُلُ أحاديثِكَ مجتمعة معاً , عليّ . . في ذاتِ الليلة . .
فيغيبُ الليلُ عني و يسلِكُ سهري طريقاً واحداً إليك !
أيكونُ الشوقُ شرطاً لحياتي معك ؟ أتقطعُ كُل تذاكري إليكَ , فتخذلني كُل المراسي ,
و أفلِتُ بِ ذكرياتِنا في مطاراتٍ لا تعرِفُ كيفَ يكونُ السفرُ إليكَ دونَ الإرتطامِ بِ حائِطِ الغيابِ اللعين !
و أنساني فيك !
أموتُك , و أحيا في ذات الذاكرة الممتلئة بِك ,
أتسوّلُ من صدرِكَ , نفسَ وِصال . .
أحاولُ أن أثيرَ شفقتكَ , لتضيء لي من عينيكَ نهاراً جديد ,
أحاولُ أن أستعطِفَ غيابك , فلا يموتُ على أطرافِ ذاكرتي غيرَ أيامي الخاليّة مِنك
و لا يكبرُ في الجهةِ المُقابلة من الطريق غيري أمامك و أيامي مزدحمة فيك !

أمسك بِ حُزني و إحذر أن أبكيكَ فـ يتألم قلبي المندس في صدرك . .
و قبلَ أن تُفلِتَ مني خلفَ الغياب ثانية ,
أترك لي كفيّك . . و أعقدني في بنصُرِكَ الأيسر عقدةً عقدة !

الأحد، 29 يناير 2012

الجريدة .

*


لأجلك . . صوتي أرجوحة
و حكايتُنا , أغنية تُطرِبُ الصمتَ الطويل . .
و قلبي كِتابٌ , ألقي في صفحاتِهِ ذاكِرة المقهى الحميمة . .
و يديّ مرسى لِـ أحلامٍ كثيرة ,
و زوارِقَ أمنياتي , أرى أجنحتها تنمو , لِـ تُلامِسَ سطحَ حنيني . .
و أنا رعشةٌ مسروقة مِن شفتيّكَ , مُستلقيّة بينَ أصابعكَ . . ألوّنُ تفاصيلَ الجريدة .


*


بيني و بيني
تُضيءُ في عُتمتي عينيك ,
تشكلُ لي درباً واحِداً ,
يدكَ جِسري
و قلبُكَ فانوسٌ يحجِبُ وجهكَ عني ,
وحدها لمستُكَ
ترسمني فوقَ الجريدةِ , مدينةً لا تبكي .




*




أصابعُكَ خيزرانٌ يحترقُ بِ عبث ,
و ما أنا الا مرآةٌ تُكررُكَ . . و تهذي بك !




*




أشعل الشتاءَ , كرغبتي فيك . .
و بِ طيشكَ لوّن لي طِفلة ,
لتكونَ لحكايتنا مرسى , و فوقَ مدينتنا ظِلٌ و في بيتنا مَطر !




*




لو أطلّ الشتاءُ مِن شُرفتهِ مُجدداً
سيلمحنا . . يتحسسنا , يحترِقُ هوّ أيضاً معنا . .
و نحنُ حولَ مدفئةِ الحُبِ , نشكِلُ من الجريدةِ  نوافِذَ عشقٍ و سهر .

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

،

كانَ علينا أن نكونَ أكثرَ صرامة ,
أكثر صلابة ,
أن لا تهتزَ أصابِعنا , و لا ترتعِشَ أصواتُنا
أن نحمِلَ أوعيّة قلوبٍ كبيرة ,
تتسعُ لِـ ترتيبِ أحلامٍ كثيرة !
كان علينا أن نتلوّن مِن خلفِ همومِنا ,
أن نرتمي بعيداً عن قتامةِ ملابِسنا ,
كانَ علينا أن نعودَ أشجاراً ,
و تتسع فروعنا ,
أن نُسقى مِن بُكاءِ النوافِذِ ,
أن تخضر فينا صناديقُنا ,
كانَ علينا في موسمِ الحصادِ أن ننهِكَ أصابِعهم ,
فنبعثرنا بين قطن السماءِ , و نُحصينا !
كانَ علينا أن نتذكر أن المسافة ستنهكنا ,
سنحتاجُنا ,
فنخبؤنا في جيوبِنا . .
و نقضِم أحلامنا تُفاحاً عندما تركل الثمارُ أراضينا .

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

يا بكاء المدينة

و شابت طِفلتُك , في يومين !
و هذا الثُقبُ يتسع
أينَ كتفكَ لألقي من فوقهِ همّي , فلا كتِفَ يتحملُ حُزني
و صوتَ وجعي ! (:


( إنا لله و إنا إليهِ راجعون )

يا حزنَ أيلول

أشعرُ بِ ثقبٍ يتسعُ في صدري ,
هذهِ المرة . . الثقبُ لا يُجاري أيّ ألمٍ سابِق . .
هوّ يتسعُ و يجرحُ صوتي , في بُكاءٍ طويل . . لا يقيني حجمَ الفاجعة و لا يُخففُ عني هولَ كُلِ ما حدث !
رأسي أصبحَ كـ ألةِ التصوير , يعيدُ كُل كُل اللحظاتِ معك !
و قلبي لا يحتمِلُ صرخاتِ عُمقي , فأراهُ في حُضنِكَ يتفتت . . !
في كُلِ لحظة ألتفتُ لكلُ الوجوهِ حولي . . و أردد : إنها مزحة ؟ أليسَ كذلك ؟ هوّ لم يتركني . . !
و لا يُجيبُني سوى بُكاءُ أمي . .!
يحرقني و يُقيّدُ كُل تصرفاتي , فلا أقِفُ معها في حُزنِها و أنا بِكرُها , و هي بِكرُكَ , و أنا لا نفعَ لي حولها , أنا فقط أزيدُ مِن حِرقتِها , و أجمدُ و بصري يأكله الدمع , فتختفي كُل الوجوه , و لا يبقى غير بُكائِها . . يُبعثرني !
صباحُ المدينةِ يا جدي . .
ترددتُ طويلاً في الكتابةِ إليك , لأني أعلمُ جيّداً . . أن الحرفَ الذي يُرسلُ إليك , سيقفُ طويلاً صامِتاً ينتظرُ ردك . . !
أتعتقدُ أنَ روحكَ ستجولُ شوارِعَ حرفي ,
تلملمُ ما يسقطُ مِن فاجعتي عليك , تتركُ لي خبراً عنك . .
تُلوّحُ لي روحكَ , و الأجمل مِن هذا كُلهِ تزرعُ صوتَكَ على كتفي , فأسمعُكَ كُلما أزهرَ ياسمينُ حنيني إليك !
أجبني فقط , لماذا دائِماً يرحلُ عنا الطيبون يا جدي ؟
هذهِ الحياةُ ابتسمت طويلاً في وجهي , كانت تُخبئ الخيبةَ الكبيرة , لتكسرني مرة واحدة , رغمَ عظيم صبري . . و رغمَ أني أحببتُكَ بِ كامِلِ وفائي إليك , و كامِل يقيني أني إن خُيّرتُ لأختار أيّ الرجالِ أريدُكَ أن تكون , لأخترتُكَ كما أنت . .
فأنتَ لستَ برجلٍ عاديّ ,
و وجعي عليكَ ليسَ عادياً ,
يا حنينَ الماضي , و يا ابتسامةَ الفجرِ , و يا شفقاً بعثِرَ بِ رقة على رقعةِ بحرٍ يتلبسُ بِ سِحرِكَ ,
يا طيّب ,
أخبرني كيفَ أنت ؟
أتعلم , كثيراً ما كنتُ أتسائل , في سري . . لماذا فتياتُ هذهِ المدينة , لا يحملنَ ذكرياتٍ خاصة مع أباءِ آبائِهم ,
و مازلتُ أتوّجُ علاقتكَ معي , و اخوتي بِ الأجمل . .
استنتجدتُ أخيراً في حديثِ أحدهم , أن الأجداد من المتوقع فِقدانُهم , فـ الموتَ لا ينسى أحداً . . و من المتوقع موتهم أكثر من غيرِهم !!
كان حديثه فظاً جداً , أنكرتهُ في عُمقي , و خبأتُ وجهي بينَ كفيّ , و بكيتُ طويلاً . . يا جدي !
كنتَ و مازِلت الأجمل , كنتَ و مازِلت روحَ القمحِ التي جبلَ بِها قلبي ,
و كم محظوظة فرحتُكَ الأولى , بِ كونِها مِن صُلبِك . .
أعلمُ جيداً أنكَ ستفهمُ حديثي حتى لو كنتَ لا تُجيدُ مِن العربيّة سوى إلقاءِ السلام . . و صوتُ فيروزُ الذي يُحركُ فيكَ حناناً إليّ كُلَ مرّة !
و أعلمُ أن شغفكَ بِي لن ينتهي حتى لو ادعى هذا الكون أنه انتهى , فأنتَ بي لن تنتهي أبداً ,
أتعلمُ تساءلتُ كثيراً كيفَ سيكونُ وقعُ خبرٍ كهذا على أخي , المُسافِر الذي أعلم جيداً أنه سيبكي طويلاً كما أبكيكَ أنا , أتذكر كيفَ قاسمني أمسياتي معكَ , رافقنا في رِحلاتِنا الطويلة إلى تِلكَ الغابات إلى مسارِح المدينة , إلى الحدائِق و متاحِفِ الشمعِ و الحرب , و إلى حكاياتِكَ التي كنتُ أنا دائِماً الأميرة التي تختمُ أحداثُ قِصصها بِ السعادة الأبديّة بِ فضلِك !
أخي مازالَ يحلمُ بِ قيادةِ طائِرة , فكُلما كانَ يرى زيّكَ و تِلك القُبعة الأنيقة , كانَ يُصرُ أكثر على أن يكونَ كـ أنت ,
طياراً , يسبحُ بينَ السحابِ , معلق في السماءِ . . يرى المدينة صغيرة , صغيرة جداً جداً . . يراها بِ حقيقتِها كـ دنيانا هذهِ صغيرة و ضيقة . . و كُلُ طُرقاتِها تؤدي إلى مصيرٍ واحِد !
كلانا ورِثَ عنكَ عِشقَ أحجارِ الشطرنك ,
و كلانا خطط طويلاً لِـ ادهاشِكَ في زيارتِنا المُقبِلة ,
كلانا كانَ يُدهش أمامَ خِفتِكَ في استعمالِ تِلكَ الأوراق المُرقمة ,
و كلانا كانَ يبذلُ كل جهدهِ لِـ ينالَ إعجابكَ في زيارتِنا المُقبِلة ,
أطالَت مواعيدنا ؟ و مُدت أعذارُنا ؟
فمللتَ انتظارنا ؟ أم أن الشوقَ كانَ يتفشى بِكَ إلى أن أضغفكَ ,
فغادرتنا !
لا لم تُغادِرنا ,
افتح عينيّك , و هاتفني ,
مد لي صوتَك و حديثك ,
أخبرني ككلِ مرة , أني و إن كبرتُ سأبقى فرحتكَ الأولى و الصغيرة الجميلة التي ستختِمُ لها النهاياتِ السعيدة في قِصصك , ستصطحبها في رِحلاتِ الصيدِ , و ستُجاريها بِ احتضانِ أمواجِ البحرِ الذي تذوّق دفئك طويلاً !
لا تجعل نِهاية سعادتي , على يديّك . .
كيفَ سيتحملُ قلبُ صغيرتِكَ تِلكَ الذكريات , تِلك الروحُ التي خبأتها فيها منذُ وِلادتِها , المرتبطة جداً بِك !
مد لي صوتك , في حديثٍ أخير , أرجوك !
فقط فقط لأخبركَ أني أحبكَ و أحبكَ جداً , و جداً جداً !
و أني أحبكَ في كُلِ يوم أكثر . .
لأقبِلَ عينيّكَ , لتمسحَ بِ كفيّكَ وجعي . . !
لتُخبرني ككل مرّة أن أعتني بِ زهرةِ قلبِك , بِ بِكرِكَ
و لتخبئ في أذني , شوقكَ ,
و حنينكَ . . لِـ الطفلةِ التي تأرجحت طويلاً في فناءِ منزِلك !
يا وجعي , يا حزنَ أيلول ,
و يا بُكاءَ المدينة ,
أخبروني أن اليومَ ستكفن , و ستُقام مراسِمُ دفنٍ تليقُ بِ رجلٍ طيّبٍ مثلك . .
و سيحضُرُ كُلُ مَن عرفَك ,
الكل , إلا أنا . . فتباً لجوازات السفر , لتلك الحدود , و لتأشيرةَ تُعاندُ صبري إليك !
 
صحيح , أمي ليست فقط زهرة قلبِك , هي زهرة روحي . . و ساعتني بِها جيداً .
أنا ؟
أنا لا أدري ,
أنا , أتحسسُ قلبي ,
و لا أجدُ سوى هذا الثُقب ,
أنا فقط أحتاجُكَ يا جدي (:

الخميس، 11 أغسطس 2011

ريــ . . م

الهِجرة , أوّل أحلامي . . و آخِرها مؤخراً . . بعدَ أن أصبحَ حُلمُ عينيّ ريم بعيدَ المنال . . أو ربما مُعطل إلى حينِ أن يرأف القدرُ و هذا المجتمعِ الذي يحملُ عاداتِ الأقدمين على عاتقيّةِ . . و فوقَ كتفيّهِ تعظيماً و رهبة !
تبدو الحياة متناقِضة بالنسبة لي , فلقد كبرتُ على أن " لا فرق بين عربي و لا أعجمي إلا بالتقوى "  و عندَ أولِ محطاتِ تِلك الفروقات , يخذِلُ المجتمعُ مبادئي التي رُبيتُ عليّها , و يُثبِتُ لي أن الإقترانَ بِ فتاةٍ كـ ريم , لا تُشارِكُني عِرقَ ذاتِ القبيلةِ و لا تجري في شرايينِها الأصول البدويّة , أشبه بالحُلم . . بل ربما لو أني حلمتُ بِ أمورٍ أعظم لحصلتُ عليها بِ فضلِ صيتِ والِدي و اتساع نفوذ جدي . . أما ريم , فهي الحُلم الذي لا يصحُ أن أبوحَ بِهِ كما أخبرتني أمي , عندما طلبت مني أن أخفِض صوتي حتى لا يسمعَ والدي ثرثرتي عن الحُبِ و أغنيات الهوى !
أصبحَ حُبي لها ثرثرة , برأي أمي . . و الإقتران بِ ابنةِ خالي , هي الحسنة التي سترفعُ مقداري أمامَ القبيلةِ و ترفعُ رأسَ أبي و توسِعُ دائِرةَ صِلةِ الرحمِ و الأقارب . . و كما تقول ُ والدتي , أن سعادتي لن تكون بيدِ امرأة لا تحملُ في ماضيها تاريخاً كتاريخِ أجدادي !
لا تدري والدتي أن ريم تحملُ ما هوّ أعظم من تاريخٍ و نسب سيلقي بي في وادي الموتى عمّا قريب .
ارتبطتُ بِ مريم , ابنة خالي التي تصغرني بِ عشرِ سنوات , لم أرها إلا في ليلةِ زِفافِنا , بعدَ أن تركنا كُلُ الحضورِ و بقيتُ انا و هي في شقتِنا التي تعنت والدتي لتجهيزِها على أتمِ وجه لتليقَ بِ ولدها البِكر .. لا أدري ليلتها هل أنا مع مريم حقيقة , أم أنها هنا و أنا لستُ هنا . . !
لم ألحظ ملامِحها جيداً , فيومها لم أسافِر الا عبرَ ملامِحِ ريم , التي تحتلُ خيالي . . بقينا صامتين لوقتٍ طويل , لم أكن مستعداً لخلقِ أيّة أحاديث , قد تظهرني بِ صورة سخيفة , و ربما أخطئ و أجرحُ قلبها في أول يومٍ تزفُ بِهِ إلى رجل . . ما كنتُ أعلمُ كيفَ أعودُ إلى حالتي الأولى , كنتُ أضيعُ مع ذلك الحُلمِ الذي ضاع , و في حريرية الأبيضِ الذي يغطي جسدها كنتُ أحاوِلُ أن أحبِسَ صوتَ ريم , و حديثَ ريم , و همسها , و قلبها و وجهها , و وجنتيّها – أجمل تفاصيلها – و لوزتان تبتسمانِ كُلما ظهرتُ أمامها و كأنها ترى نوراً لا هالة سوداء , عتيقة . . كخرقة بالية ليس لها رأي في حالتِها و لا في سيرِ حياتِها و لا أينَ ستأخذها الأيدي و لا أين سيلقوا بِها . . هذا أنا ياريم , أحاول أن أتخلص منكِ بين ثنايا ثوبِ مريم , ظناً مني أنها عندما تخلعه , ستخلعُكِ مني !
بدلت مريم ملابسها , و قلبي مازال هائماً , يحملُ غصّة , لو أن كفّ ريم هنا , لو أن حضنها هنا . . لبكيتُ حتى اختنقَ بي كُلُ الحزن , إلى أن تتولى الدنيا طريقاً آخرَ غيري , فتتركني هي و قيودُ أقدارِها أعيشُ حُراً بين كفيّ ريم !
سبعُ أعوامٍ ياريم , فكيف ستغفرين لي كُل ما هُدِر بسببي . . منكِ !
طلبت مني والدتي في أوّل عامٍ لي معكِ , عندما بدأ الحُبُ يظهرُ على تصرفاتي , باهتمامي المتزايد بِ نفسي , و تأنقي الشديد . . و مكوثي لساعاتٍ طويلة أمامَ شاشةِ حاسوبي , و شرودي عندما كانت تُخاطِبني أمي , و حُججُ انشغالي عندَ كُلِ مناسبة تخصُ عائِلتي , ليتسنى لي أن أكون معكِ دائِماً . . قالت حينها أمي , أن السرِقة ليست فقط بِ سرقةِ المالِ , هيّ أيضاً بِ سرقةِ أعمارِ غيرِنا , بِ انتظارٍ و آمال و أحلام , يمضي العُمر و لا تتحقق . . ثُم أتبعت كلامها و قالت : " بُني , لا تسرِق عُمرها و لا تُشغِلها بِ حُبِك فتأخذ منها و تأخذ منك . . فلا تعودانِ تصلحانِ لغيرِ بعضِكما  . . يتخلى عن قصتكما القدر , فـ القدر لا يمنحنا كُلَ ما نتمنى " !
لم أجبها , كانَ عقلي نِصفُ مستيقظ , و باقيهِ غارِقاً بِنبيذِ عشقكِ ياريم !!
يقولون , أن العروس تكونُ مرتبكة و خائِفة في ليلتها الأولى , كنتُ خائِفاً جداً . . خائِفاً أن أستيقظ في الغدِ فلا تكونين عندي , و لا تكون الليلة مجرد كابوسٍ ثقيل . . سيمحى في صُبحٍ يشرِقُ من تحتِ قميصكِ يا ريم !
لم تتفوّه شفتايّ بِ أيّ حرف , و نمتُ تِلكَ الليل على الأريكة , و تركتُ مريم تنامُ وحيدة على سريرٍ كبير , يتسعُ لأكثر من شخصين , كنتُ أسمعُ صوتَ بكائِها في الخفاء , و كانت تُحاوِلُ جاهِدة أن تكتِمَ شهقاتِها حتى لا يكشِفَ لي سكونُ الغرفة وجعها , فآتيها شفقة لا حُب !
كنتُ أعلمُ أن من حقوقها عليّ , أن أعاشِرها بِ المعروفِ و بِ ما أمرَ بِهِ المولى , و لكنّي كنتُ أعجزُ عن لمسِها , بل و تشتعِلُ جهنم في صدري , كُلما حاولتُ الإقتراب منها , و كنتُ كلما فتحتُ عينيّ على ملامِحها أرى ريم !
في ليلتنا الثالِثة مِن الصمت , بدأت تجدِلُ لي حديثاً بعدَ حديث , كانت تتحدثُ بِ خجل , و صوتُها بالكادِ يُسمع , و تُحاوِلُ أن تسرِقَ انتباهي بِ أحاديثِها عن والِدتِها و والدِها و فرحتهم بِ كوني صِهرهم . . و عن حديثِ فتياتِ العائِلة عن رجولتي ولكني كنتُ بينَ حديثٍ و آخر أبتلِعُ قُرصاً يوقِظُ ذاكِرتي أكثر و حنيني إلى عِطرِ ريم . . و صوتِها الذي صامت عنه أذني !  بعد صمتٍ طويل لي , طلبتُ من مريم أن أناديها " ريم " , بدلاً من مريم . . وافقت أن اناديها بأي اسمٍ أريد . .
كنتُ في كُلِ مرة أناديها : ريم . . ريم
و تحضرُ هيّ , و لا تحضرُ ريم !
أتعلمين ياريم ,
كانت طريقة حديثها بعيدة جداً عن طريقتكِ , كانت أحاديثكِ أكثر حياةً و أكثر دفء !
يحقُ لها أن تكون كذلك , و تلك الأحاديث تمر من محراب قلبك حيث يخبز الوحي تحتَ شمسكِ , و ينطلِقُ من تلك الناذفة الصغيرة على هيئةِ كلام . . كلامٌ جميلٌ جداً لا يُنسى أبداً !
كانت مريم تحاول أن تتودد إلي , فتطلقُ عليّ أسماء لم أعهدها , كـ " خلودي " , " لودي " , و " دودي "
و كانت في كُل مرة تحاول أن تلبس الغنج , أتبعثر منها إليكِ !
كنتُ كـ عقدٍ فرطت حباته , على أرضيةٍ مائِلة . . تِلكَ الأرضية تقودُ كُل مكنون العقدِ وحباتهِ إلى ذاتِ المكان . . إلى خُطاكِ أنتِ ياريم !
أتذكركِ جيداً و أنتِ تقولين أن اسمي سيبقى " خالد " مهما أرجحكِ الهوى , لأني فيكِ خالِد . . فلا يحقُ للغنجِ و الدلعِ أن يُبدلَ حقيقته !
ثُم ذكرتِ اسمي بعدها , فأجبتُكِ بِ " لبيه " , لتبتسمي و تفضح ابتسامتكِ صفوفاً جميلة و متقنة فسبحان من سخر حسنكِ , لأراه فيكِ لا ينتهي !
قلتِ بعدها , اني سأبقى في عُمركِ خالِد !
كان حديثُكِ , يشبه الميثاق , الذي رُبِط بِ اسمي . .
فلا أستطيع الآن احتمال كوني خالداً فقط في ذكرياتكِ , و العمر يمضي مع غيركِ !
مريم التي تُشاركني دفتر عائِلتي الآن , تحت مسمى الزوجة . . لا أعلم عنها سوى أنها تتألم كثيراً عندما أتركُ احدى رسائلي إليكِ على طاولةِ مكتبي , و تبكي طويلاً عندما أهجرها لأضاجِع كِتاباً يحملُ رائِحتكِ !
هي تعلم أني اودعتُ كُل مفاتيحي إليكِ , لهذا لم تكلف على نفسها عناء البحث عن مفتاحٍ واحِد لتصلَ بِهِ إلى قلبي , بل احترمت صمتي الطويل معها , و تقصيري في مُعاشرتِها , و ذهني المسافر عنها . . إليكِ !
ريم , يا ظبيّةً استباحت حقولي ,
يا عُمراً رُتِبَ في شراييني . . كيف سأتخلصُ من جريانِكِ في دمي ؟
أتذكرين كل حماقاتي معكِ ؟ و غيرتي التي تقسمين في كُلِ مرّة أغارُ فيها أن لا عجبَ في أن أكونَ بدوياً , أثورُ أمامَ توافِهِ الأمور . . نعم و الله كنتُ أغارُ عليكِ , منكِ . . من صديقاتكِ , من أهلكِ , و حتى من أطفالٍ لم تتجاوز أعمارهم العامين !
و أصرخ طويلاً في وجهكِ , أني لا أريدُكِ مع غيري , لا أريدُ أن يخلق غيري الفرح في عينيّكِ !!
لماذا لم تتركيني منذ أول حماقاتي معكِ ؟
عندما كنتُ أتصرف كالأطفالِ معكِ , و كنتِ أنتِ اللعبة التي لا تُفارِقني أبداً و لا أسمح أن تُشاركني الحياة بِها !!
لماذا تمسكتي بي . . و صبرتي على كُلِ الفوضى التي أحدثتُها في حياتِكِ !
كنتِ المُدللة , العاقِلة . . وحدكِ من كنتِ تأخذينَ ما تريدينه مني , و وحدكِ من كنتِ صاحبة القرارِ الأخيرِ في كُلِ شؤوني !
أذكر عندما كنتِ تضمين لوزتيّكِ , فتتشكلانِ كرزتانِ ورديتان . . و تسألين بِ دلال إن كانَ لغيركِ يدٌ في تسييرِ أموري . . لأنفي أنا ذلكَ عن غيركِ , فتعودينَ لطريقةِ غنجكِ و تسألين ان كنت سأدع أي شخص يتخذ أي قرارٍ يخصني , غيركِ .. فأنفي ذلكَ أيضاً و أنا في نشوتي غارِقٌ بجمالكِ !
و خذلتُكِ !!
جعلتهم يتخذون أكبرَ قرارٍ في عُمرنا , و لم أتدخل لإيقافهِ و لم أتركِ تتدخلين !
أصبحتُ أقرأ كُلَ ليلة , إلى أن تذوبَ عينيّ ,
و أكتبكِ في كل أوراقي , إلى أن يُغتالَ بياض كُل الأوراقِ برسائِلَ لا تصلُكِ !
كنتُ متأخراً جداً عندما قررتُ أن أعودَ للبحثِ عنكِ , لأعتذر عن كوني خيبتُكِ الكبيرة , عن كوني اللص الذي تمادى و سرقَ منكِ عُمركِ , و عبث بأدراجِ أحلامكِ , و سيّر كُلَ أمانيكِ إليهِ . . ثُم اختفى من أمامكِ , من دون عصى سحريّة أو عمل معقود !
أستعذرينني الآن ؟ لأني نسيتُ من هولِ حسرتي , أن أتركَ سبباً لغيابي عنكِ ؟ كنتُ أخافُ عليكِ مني  , و أخاف عليّ من دمعكِ و حُزنكِ و وجعكِ و بُكائكِ . . فخفت أن أموت من ضعفي أمامكِ !
فأكسرُ ألفَ مرّة , و أتبعثر تحتَ قدميّكِ أنا و قلبي و الحُب الذي أحملُ لكِ , فتسكبينني في كفيّكِ و أنتِ تبكين . . إلى أن نختلِط أنا و الدمع , و لا تعودينَ تتعرفين علي !
بحثتُ عنكِ , و لم أجد طريقاً إليكِ . . !
كنتُ أنانياً في رحيلي الصامت , و مازِلتُ أعاني وجعَ الرحيلِ عنكِ . .
و أحمل داخلي ذنب تبديل كُلِ عناويني و أرقامي , حتى تفقدينَ كُلَ أثرٍ إليّ !
كنتُ أخاف السقوطَ مِن عينكِ عندما تكتشفينَ قِلة حيلتي و ضعفي , و من قلبكِ بعدَ أن خذلتُكِ , لهذا فضلتُ أن تنتهي أخباري فتظنين أن ما أخذني منكِ هو الموت , لا تقاليدُ أجدادي . . و تعصبُ أهلي !
و أنا حقيقةً , أموت ألفَ ألفِ مرة بعيداً عن عينيّكِ , شوقاً إليكِ , حسرةً على ما ضاعَ مني و ما حُرِقَ بِ سببي فيكِ !
كسرتُ يا حبيبة . . و لن يجبُرَ كسري غيرك و أنتِ لا أعلم أين هي أرضكِ !!
عامان فقط . . الفترة التي قضتها مريم في منزلي , كـ غريبة لا كـ زوجة !
لم أشارِكها السرير الا ثلاث مرات , كانت الأخيرة السبب في انجابِ " ريم " أخرى , بعد تسعِ أشهر !
لم يكن ليخفى على مريم أني لن أتعافى منكِ , و أني غُصبتُ عليّها كما أجبرت هي لتتحمّلَ برودي أمامها و شرود عقلي !
بعدَ أن رأت ابنتي " ريم " وجه الحياةِ , انتقلت هي و أمها إلى منزِلِ خالي , عادتا بِ خيبةٍ كبيرة , و لكن خيبتي معكِ لم تجعلني ألاحِظُ حجمَ الضررِ الذي تسببتُ بِهِ رغماً عني !
ألحقت مريم بورقة طلاقها , تنفيذاً لرغبتها . . و بقيت وحيداً بين جدران المنزل أكتبكِ الرواية الوحيدة في عُمري , و أختمكِ في كُلِ مرّة بذات الأحلام التي كنتِ تخبئينها في قلبي !
ثُم أغمضُ الحرفَ عنكِ , و أبحثُ في واقعي عن طيفكِ , فلا أجد لكِ أثراً . . و كُلُ بقاياكِ متكدسة في ذاكرتي , و أوراقي , و قلبي !
حرمتُ منكِ ياريم , و من " ريم " الأخرى التي كنت أبحث عنكِ فيها و لكنها ما كانت تشبهكِ , و من " ريم " ثالثة خُلِقت من صلبي , تخليتُ عنها عندما بحثت عن رائِحتكِ فيها , فلم أجدها و لم أجدكِ . . و ليس للصغيرة ذنب سوى أنها ليست منكِ !!
تفرّق عمريّنا ياريم . .
و في كُلِ مرّة أبعث بِ تأشيرتي إلى سمائِكِ , تعودُ خائِبة إليّ !
و أنا مازِلتُ عالِقاً فيكِ ,
أحلمُ بالهجرة . . إلى الوطنِ الوحيد . . إليكِ !!

الأحد، 31 يوليو 2011

حقائِبك التي تحمِلُ روحي !



يا مُسافِر . . خذني معك . .
كُلّي . .
رتبني في حقائِبِك . .

وضبني بين ملامِحك . .
سأكونُ في غُربتِك , الوطن
سأكونُ في صباحِك . . أغنيّة
و على خاصِرةِ الغُربة , سأضُخُ فيكَ كُل انتماء !

خذني يا مُسافِر , إلى أرضِك
إلى سمائي . . الغارِقة في صدرك !

إلى كفّك . . فأشرب مِنها , حُبك . .
و أتذوّقُ سِحر قلبك . . !

خذني إليّك , يا مُسافِر . . خُذني !

السبت، 30 يوليو 2011

(9)

أجفف ذاكرتي على راحةِ قلبك . .
و أصومُ عن كُلِ الأشياءِ , إلا أنت !


" كل عام و أنت معي , تتجوّل في قلبي . . في كل شهر "