الثلاثاء، 20 يوليو 2010

المدينة : تحملُ وجهكِ . .

السماء التي كنا نعرفها , خانتنا
أصبحت تحملُ وجهَ عاصمتنا .. التي لا نستندُ إليها سوى من أجلِ طلبِ فيزا لمدنٍ آخرى ..
فيصبحُ ولاؤنا لتلكَ المُدنِ و لشوارِعها .. و رائحةِ نسائها .

- جسدها النُور :


كنتُ أقفُ أمام أحمد , إبن بلدي , و أقربُ الأشخاصِ لي في غُربتي ,
كنتُ أغرقُ في إتساعِ بؤرةِ بؤبؤ عينيّه , و هوّ يمسكُ بذقنهِ و يحركُ يدهُ و كإنهُ يسبحُ في التفكير , و ليسَ معي !
بعدَ لحظاتِ صمت - كنتُ سأغادرُ المكانَ لو طالت أكثر - بدأت تتحرّكُ شفتيّهِ :
" أغلق عينيّك , لترى جسدها الحُلم !
لا تُحاول أن تقتربَ منه , سيتلاشى سريعاً من أمامك ,
و ستأكُلُ أصابعكَ بكاءً خلفه ! "
" جسد من يا أحمد , ما بكَ تهذي . " .. أجبتُ و أنا أنظرُ حولي .
ما كنتُ أعلمُ يا " ماريا " .. أنّكِ المرأة التي فتنت بجسدها منذ نعومةِ أظافرها رجالَ تلكَ المدينةِ , لتصبحي حديثَ رغباتِ الشبابِ , و محشورة في رؤوسِ النساءِ كُلما لاحَ لهم طيفكِ أطفأن الأضواء و خلدنَ لبكاءٍ طويل .
أحمدَ جعلني أفتحُ عينيّ طويلاً عليكِ ... كنتُ أنتظركِ , أنتظرُ أن تُغازلَ خيوطُ الشمسِ وجهكِ كُلَ صباح , و تنحني على جسدكِ , فترسمكِ كـ لوحةٍ تشعُ ضوءاً ... فيدخلُ الضوء أعماقَ قلبي و أشعرُ بالدفء !


كُلما مررتِ من أمامي , كنتُ أرجو قدراً بحظٍ أكبر , كي تتوقفي و تُلقي عليّ التحيّة !
و كنتُ أحلمُ بصدفةٍ ساحرة , تسمحينَ لي فيها بتمريرِ أصابعي على وجهكِ لِـ أصلَ إلى خدّكِ و شفتيّك , أما باقي جسدكِ فكانَ حُلمي يحجبهُ عني !
ربما كي لا أهرولَ خلفهُ إلى أن يختفي , و تحلُ عليّ لعةُ فقدانكِ الأبدي , كما أخبرني أحمد !
لا أدري لماذا كُلما أدرتُ وجهي عنكِ .. شعرتُ بِ الغربةِ تكبرُ في صدري , و لمّ وجهكِ بالذات كانَ يصور لي تضاريسَ مدينتي , فـ أرى شوارعها .. و وجوهَ أهلها .. و سهراتها المتأخرة .. في عسليتيّكِ
.. و كنتُ أشعرُ بتحركاتِ النهرِ الصغيرِ يداعبُ شعركِ الغجري .. أما نهداكِ فهما تُفاحُ الوطنِ الذي ما عدنا نطولهُ ,
و جسدكِ الخمرُ حتماً .. و إلا لما نهضَ أمامي مليونُ عفريت , عندَما أختلسُ النظرِ من شُباكِ غرفتكِ , و إنتِ تكشفينَ عن جسدكِ الحُلم .. إلى أن أفقدَ بصري من شدّةِ ضوءكِ .. !

لم أكن أنتظرُ من إمرأةٍ أن تتعرى أمامي .. حتى أشعرَ برجولتي تكبرُ في داخلي .. و رغبتي تشتعلُ إليها ..
كانَ يكفيني , أن تقفَ رموشي بلا حراك , و تتصلّبَ عينيّ .. عندما يسمحَ لي زرا قميصكِ من الدخولِ إلى تُفاحكِ دونَ أن تلاحظي !


أنتِ لن تفهمي بأنني سأنظرُ دائماً إليّكِ بعينِ الحُلمِ الذي لا أستطيعُ الوصولَ إليهِ .. الحُلمُ الجميل الذي يكبرُ داخلي .. أربيّهِ جيّداً .. أطعمهُ قلبي .. و أسكنهُ روحي .. أعتني بِهِ كي لا يُغادرني سريعاً .. كي لا ينكرَ كُلَ ليالي الإلتحامِ بِـ عمقي .. كي لا أفقدكِ يا ماريا .. !


وحدي من كانَ يعرف الحقائق التي تخبئينها في صدري .. و وحدي كُنتُ أعرفُ أنّي أصابُ بالجنونِ عندما أطيلُ الوقوفَ أمامَ شُباككِ .
و وحدكِ كنتِ تكبرينَ عن حجمِ قلبي .. و تصرينَ أن تسرقي مني حُزني , و غُربتي , و وحدتي , بتصرفاتٍ عفوية تُصيبني بعشقكِ !



- عارياً أمامَ نفسي :



كنتُ أقفُ أمامَ المرآةِ أحدثُ نفسي !
كنتُ أعلمُ بأنّي سأكونُ أمامكِ وديعاً جداً ... و لن يعملَ لساني سوى بجذبكِ نحوي قليلاً .. و لكنّي لن أكونَ شجاعاً كفاية , لِـ أخبركِ بما يدورُ في قلبي .. و ما يولدُ داخلي عندما ألمحكِ .
هوّ فقط سيناريو فاشل .. أطبقةُ بدقة أمام المرآة .. أتحدثُ بلباقة , و بثقةٍ كبيرة , و أراكِ تبتسمين و كأنكِ تُخبرينني أنّكِ أيضاً تشعرينَ بالكونِ يذوبُ حولنا .. و يلاشى , عندما نكونُ معاً .
سيناريو أتقنهُ جيّداً وحدي , و لكن أمامكِ لا شيء سيحدث !



- طائش عشريني :



يرنُ الهاتف .. هوّ أحمد يذكرني بموعدي معه .. خرجتُ مُسرعاً ,
أتفقدُ مفاتيحي .. و هاتفي , و صورة سقطت من حقيبةِ يدكِ ليلةَ البارحة عندما كنتِ تخرجينَ بعضَ النقودِ لرجلِ التاكسي , دونَ أن تنتبهي لها .
نظرتُ لوجهكِ , و نظرتُ لأعلى , و تمنيتُ لو أنني أستطيعُ فقط تقبيلَ روحكِ !
إبتسمتُ للسماء , و كأنني خجلٌ من كُل أحلامي التي تدورُ حولكِ .. و كأنّ الله ينظرُ إليّ بعينيّن مشفقتين على حالي !
لقد حانَ الآن أن أخرجَ من كُل الأفكارِ المتزاحمةِ في رأسي .. و أن أذهب إلى حيثُ إعتادت قدمي أن تذهب ..
أخذتُ الطريقَ إلى الشارعِ المُقابل لِـ منزلكِ ,
شُباككِ مغلق , حجبَ عني رؤيتكِ ,
مددتُ يدي إلى الأرض .. و أخذتُ حجرة ,
رميتها على شباككِ ,
مرة ,
مرتان ,
ثلاث !
و أخيراً فتحتِ شباككِ , لِـ أختبئ أنا خلفَ شجرةٍ كبيرة , أراكِ من مكاني , و لكنّكَ لا تستطيعينَ رؤيتي !
ابتسمتِ بقلبٍ حيّ .. و نظرتِ إلى إتساعِ شارعِ مدينتكِ ,
أخذتِ مكانكِ المعتاد على شُباككِ , و جلستِ على الحافة !
كم تمنيتُ يا ماريا .. أن أكونَ أمامكِ , فتطلبينَ مني بصوتِكِ الدافئ أن أجلس قربكِ .. أن تحملنا نافذة واحدة , أن نبتسمَ معاً لصباحٍ هادئ , و لصوتِ فيروز الذي يخرجُ بإستمرار من منزلِ جاركِ العربي العجوز !
دائماً عندما أراقبكِ , أخاطبُ نفسي كالمجانين : دع عاداتكَ السيئة بالهرب .. و تحدّث !
و لكنّ خوفي من أن أخسرَ حتى مذاقَ نهاري عندما يبدأ من منزلكِ ... كان يغيّمُ عليّ !
رافقتُ الشمسَ في طريقها .. و أنا أعلمُ أن ما من إمرأةٍ ستأخذُ همومي عن قلبي , و ترميهِ في البحرِ : غيّركِ !
فكرتُ بالرجوعِ إليّكِ , و خيّلَ إليّ أنكِ تنتظرينني عندَ النافذة , و أنّكِ ستبتسمينَ لي .
أوقفني عن التفكير صديقي أحمد , الذي كانَ يلوّح لي من مقهى قريب من منزلكِ ,
طلبتُ عصيرَ ليمون , و جلستُ على الكُرسي المُقابل لأحمد .. جسدي و منظري و حالتي تبدو متهالكة تماماً ..
" يبدو أنّ الغربة إقتصت منك , يا رجل ! " .. قالها أحمد و هوّ يطبطب على كتفي !
ابتسمت ..
و أخرجتُ من جيبي هاتفي , لتسقطَ صورتكِ بينَ يديّ أحمد !
نظرَ إليها للحظة !
ثم رسمت الدهشةُ دائرة بشفتيّهِ !
" لستَ بالسهل يا عزيز .. و لكن إحذر من جميلاتِ هذهِ المدينة " .. و غمزَ لي بمكر .
ابتسمت .. و النادل يضعُ أمامي كأس عصيرِ الليمون , و أنا أداري الحُبَ الذي أحملهُ لكِ عن عينيّ أحمد !
شربتُ الليمونَ بسرعه .. كانَ شديدَ الحموضة , و أنا في الحقيقة لا أحبُ عصيرَ الليمونِ أبداً بل أشعرُ بالتوعك كلما شربته !
.. و لكني بدأتُ أكثر من شربهِ , منذ أن عرفتكِ .. ربما لأعاقبَ نفسي على التورطِ بعشقِ إمرأةٍ لا أعرفُ منها غيّرَ إسمها .



- أموتُ أنا , و كُلُ الأحلامِ أنتِ :

 
في مساءَ ذلكَ اليوم قررتُ أن أعيدَ إليّكِ صورتكِ ..
ليسَ لأني أريدُ التخلي عنها .. و لكن لكي أجدَ سبباً لفتحِ حوارٍ معكِ ..
و كنتُ قبلها قد نسختُ منها عشرون نسخة , خبأتُها في أماكن مختلفه من غرفتي .. لأراكِ في كُلِ شيء !
توجهتُ إلى بابِ منزلكِ , و لكن هذهِ المرة بثقةٍ أكبر !
و لأوّل مرة , تلمسُ يدي بابكِ ,
طرقتُ الباب .. شعرتُ بشيء مختلف .. صوتُ بابكِ أكثرَ خشونة من شباككِ , ربما لأنّكِ ستقابلينني بِ رسميّةٍ كبيرة عندما تفتحينَ لي الباب .. و لكنّي أراقبكِ بعفويتكِ كُل صباح , عندما تفتحينَ الشباك !
إنتظرتُ لخمسِ دقائق , و لكن لم يفتح لي أحد !
أدرتُ ظهري , و نظرتُ بخيبةٍ كبيرة إلى باقةِ الجوري التي كلفتني غداء و عشاء هذا اليوم !
عدتُ إلى غُرفتي .. و أنا في حالةٍ زرقاء .. و كعادتي أوّل ما أقومُ بفعلهِ فتح التلفاز قبلَ أن أقومَ بخلعِ حذائي , و أضعهُ على القناة الخاصة بالرسوم المتحركة ..
أذهبُ إلى المطبخ و أعدُ عصير الليمون – العقاب اللذيذ –
و أجلسُ على الأريكة التي أصبحت تأخذُ شكلَ جسدي ... و قبلَ أن أستسلمَ في التفكير بما حدثَ معي في يومي ,
رفعتُ سماعةَ الهاتف , أشعرُ بالحنينِ لصوتِ أمي .. أشعرُ بالحاجةِ لدعائها .
لا أدري ما كانَ يدورُ في رأسي حينها , و لكنّي تناولتُ معطفي .. و أسرعتُ إلى الخارج !
كنتُ ليلتها حبيسَ حُزني .. أقاومُ وجعَ الوحدةِ بتذكرِ وجهكِ , و كنتُ أرجو أن يأتي الصباحُ مسرعاً , كي أسرعَ إلى الشجرةِ و أراقبكِ .
واصلتُ سيري , فحملتني قدمي إلى بابكِ .. كدتُ أن أطرق الباب و لكنّ صوتَ ضحكاتكِ داهمتني , كانَ شُباكُ غرفةِ الطعامِ مفتوحاً .. و الأجواء غراميّة .. قنينة وسكي , و أخرى تحملُ نبيذاً أحمر , شموعٌ ذهبيّة , و باقة جوري كبيرة جداً ... أكبر من باقتي بثلاثِ مرات !
ربما هوّ رجلٌ ثري .. و إلا لما ضحى بِـ وجباتِ ثلاثةِ أيام من أجلِ باقة !
... ينقصني الكثيرُ من الثقةِ و المالِ , لأقتربَ منكِ !
هذا كُل ما كانَ يدورُ في رأسي , إلى أن وصلتُ لغرفتي , أحملُ خيبتي مرةً أخرى , و لكنّ حجمها يكبر خيبتي الأولى !
أينَ سأرتبُ كُلّ تلكَ الخيباتِ يا ماريا ؟ ..
ألقيتُ بجسدي المنهك على سريري البارد ... كانَ الجو بارداً , و لم أقفل شباكي , كنتُ أعاقبُ نفسي بحماقة مرةً أخرى !
كنتُ متعباً .. و متوجعاً .. و بي من الدهشةِ الكثير !
فتحتُ دفترَ يومياتي , كنتُ قد هجرتهُ بعدَ أن كتبتُ فيهِ :
( لا شيء فأيامي واحدة , و الغربة قاسية , و المدينة هُنا لا تهبني غيّر موسيقى حزينة , و شوق مستميت لِـ رائحةِ مدينتي .! )
كتبتُ في الصفحةِ المُقابلة :
( كيفَ لم أنتبه !
كيفَ لم أنتبه يا ماريا أنكِ شيطان بوجهِ ملاك !
كيفَ لم أنتبه أن جسدكِ هوّ مرتعُ الشباب !
كيفَ يجرؤ أحمد على الكذبِ بشأنكِ , كيفَ يخبرني أنكِ كـ الحلم لا يصلكُ أحد , و لا يمسسكِ خيالُ رجل , إلا و ماتَ و في قلبهِ حسرة فقدانكِ !
كيفَ دخلتي في تفاصيلٍ كثيرة تخصني وحدي .. كيف وضعتِ في قلبي كُلَ هذا الحُبِ .. و كسرتني و أنا أحملهُ لكِ في صدري برفق ... أحبكِ ماريا .. أحبكِ ! )
كانت المرة الأولى التي أعترفُ فيها لنفسي أنّي أحبكِ .. لا أدري كيفَ خرجت مني هذهِ الكلمة , و لكنّي أعرفُ أنّي لم أمتلكَ الجرأة لِـ أطلعَكِ عليها .
من أينَ يأتي هذا الوجع دفعةً واحدة ؟ ماذا أفعلُ بهِ ؟
أنتِ بعيدة .. و مدينتي بعيدة .. و أمي بعيدة !!



- أنا أحب ، اذاً أنا مهزوم :


إستسلمتُ للنومِ و أنا أتمنى أن لا أموتَ من فرطِ التعبِ , قبلَ أن أطلعكِ على حجمكِ في صدري !!
مرّ شهر بأكمله , و أنا أستيقظُ كُل يوم باكراً .. أتوجهُ لمنزلكِ .. أطرقُ نافذتكِ الخشبيّة , و لكنّكِ لم تفتحي !
و كنتُ في المساءِ قبلَ أن أصلَ غرفتي .. أتوجهُ إلى منزلكِ لأجدَ الأضواء تفضحُ عن وجودِ رجل .. الرجلُ ذاتهُ كُلَ ليلة !
الأسابيعُ ثقيلة .. و أنا أموتُ ببطء .. و أستسلمُ للمرضِ اللذيذ – عقاباً آخر –
.. دونَ مسكنات .. دونَ دعاءِ أمي .. دونَ وجهكِ ..
أما جسدكِ الحُلم .. أصبحَ يأتي عارياً في حُلمي ... عارياً حتى من الدفء .. ممتلئ بالرغبة !
ربما هيّ رحمةُ الله .. كي تحلّ عليّ لعنةُ فقدانكِ .. قبلَ أن تحلّ عليّ لعنةُ الإرتباطِ بِ إمرأةٍ تمضغُ قلبي صالحاً .. و ترميّهِ فاسداً لا يصلحُ للحُبِ .. لا يصلحُ حتى للحُزن !
الحُب و الحُزن وجهان لعملةٍ واحدة .. نحنُ فقط نلتصقُ بالحُبِ كي نجدَ سبباً لحُزننا !!
أشعُرُ بأنّي سأموتُ قريباً يا ماريا .. سأموتُ لأنّكِ ما عدتِ تسقيني الحياة من إبتسامتكِ تلك .. سأموتُ من شدّةِ الحُزنِ , و من حجمِ الخيبةِ , و من سذاجتي !!
لماذا لا أستطيعُ أن أتخلّصَ منكِ , أن أركلكِ من داخلي , أن أحبكِ بشكلٍ أقل , أن أكرهكِ قليلاً ..
لماذا تُصرينَ على أن تكبري داخلي .. دونَ رغبةٍ مني !
كيفَ جعلتِ مني رجُلاً .. تائهاً في إتساعِ عينيّكِ , مُسافراً في إبتسامتكِ , لا يجدُ نفسهُ مع إمرأةٍ غيّركِ !
كيفَ بدلتي قناعاتي بهذهِ السرعه , جعلتني أغرقُ في لومِ نفسي على فقدانكِ , ألومُ نفسي على إهمالكِ , أنا ذلكَ الوغدُ الذي ترككِ مع رجُلٍ آخر , دونَ أن يلتصقَ بِ خشبِ نافذتكِ , دونَ أن يسترقَ النظرَ إليّكِ !
أنا سيء !
ربما الآن أنتِ تكرهينني , صح !
رباه .. ماذا فعلتِ بي .. أنا لا أستطيعُ التخلّصَ منكِ , أنا لا أستطيعُ الكفاف عن التفكيرِ فيكِ !!

 
- وجهكِ الشمس :



أؤمنُ تماماً أنّي ذلكَ الحظُ السيء , في علاقتي الغريبةِ بِكِ !
كانَ أوّلَ لقاءٍ لنا عاصفة .. هبت في أركاني .. و كانَ الهدوءُ واضحاً عليّكِ !
لم يكن متوقعاً أن أراكِ في الحديقةِ العامة , في وقتٍ مبكرٍ كذلكَ اليوم !
أنتِ من أتيتِ و جلستي على الطرف الآخر من المقعد الذي أجلسُ عليه .. كنتِ جميلةً جداً .. شهيّةً جداً .. بريئةً جداً .. تحملينَ بينَ يديّكِ كتاباً .. ( قوة عقلكَ الباطن لِـ جوزيف ميرفى ) !
أذكُرُ ذاك الكتابَ جيّداً .. كانَ المبدأ الذي يسيرُ عليهِ الكاتب , أن تُفكرَ بالشيء الذي تُريده , تحلمُ بهِ , فيأتي إليّك !
لم تكن تلكَ الفلسفة تُثيرُ فضولي , لذلك لم أكمله !
و لكنّ الآن أؤمن بأنها فلسفة غبيّة – عذراً منكِ و من جوزيف - .. ولكنّي كُلما رأيتُكِ في حُلمي .. إتسعت المسافة بيننا .. و فقدتُكِ أكثر !!
أحبكِ ... كانت تتردد في ذهني طوالَ الوقت , و لكنّي لم أستطع أن أرددها أمامكِ , يالي من أحمق كبير !!
أخافُ يا ماريا أن أنتصرَ بِكِ في حربي هذهِ , فأطعمكِ الحُبَ بِ ضعفي و خوفي و غُربتي .. ربما لهذا أنا لا أجرؤ على الإقترابِ منكِ .. ربما لا أستحقكِ !
طوالَ لحظاتِ جلوسكِ .. لم أرَ إلا البياض .. الذي كانَ يحيطُ بعينيّ , و أنتِ !
كنتُ أشعرُ بِكِ تهزينني من عمقي دونَ أن تتحرّكَ شِفاهُكِ .. دونَ أن ترمشَ عينكِ في اتجاهي !
لا أعلمُ ما حالُ نبضكِ , و أنتِ لا تعلمينَ كيفَ أموتُ أنا معَ نفسي !
غادرتِ المكانَ بهدوء .. و أنا مازلتُ متسمراً مكاني .. أمررُ أصابعي على الطرفِ الآخر من المقعد , أقرّبُ كفي من شِفاهي أقبلها .. و أرى الشمسَ تداعبُ جسدكِ , و كأنها تنوي فضحَ غيرتي إتجاهكِ !
أيّ سحرٍ يختبئ ورائكِ ؟ كيفَ تجبرينني على تصرفاتٍ مجنونة .. كيفَ حولتي كُلَ مشاعري الساكنة إلى حرب .. !
كيفَ أحبكِ بلا وعي .. و لا إدراكٍ لما ينتظرني في نهايةِ هذا الحُب !
هيّا إلتفتي إليّ ماريا .. هيّا قولي بأنكِ تُحبينني أيضاً .. قولي بأنني الرجلُ المناسبُ لكِ .. و بأنني المجنونُ الذي يتخبئ في سِركِ .. !
أخبريني أنّكِ تشعرينَ بوجودِكِ في صدري .. و أنكِ مازلتِ تحملينَ وجهكِ الذي عجنتهُ من روحي و دمي .. و أنكِ كـ الملائكة , لا تتلونينَ أبداً .. عديني أن لا تُرتبَ شِفاهُكِ على غيّرِ قلبي , أن لا يأخذنا الفراقُ لهاويةٍ لسنا بقوتها !
ياااه لهذا الهوى , كيفَ بدأ بي , و كيفَ يتجوّلُ داخلي , و يوقظُ كُلَ ذنوبي إتجاه جسدكِ الحُلم , و يُربكُ كُلَ أحاسيسي الغافيّةِ على كفّ الملائكة منذ أن حضرتُ على وجهِ الدُنيا ... يااه يا ماريا سيكونُ الفراقُ مؤذياً جداً , مؤذياً جداً جداً .. !


- آخر السرد :



إنقطعت أخباركِ عنّي ,
و علمتُ فيما بعد أنّكِ إنتقلتِ للعيشِ مع أخاكِ الأكبر في مدينةِ باريس , و أنهُ هوّ من كانَ في منزلكِ شهرَ الحُزنِ الفائت !
كانَ لقائنا الأوّل و الأخيّر , رحلتِ و أنا مازلتُ أراكِ تضعينَ يدكِ على صدركِ بشكلٍ مائل , و حقيبةُ يدكِ تتدلى من ذراعكِ , فيها قلبي .. و فرحُ صدري .. و طمأنينة روحي .. و ذاكرتي بأكملها ...!
ما أقساكِ ... تركتني ألتهمُ الوحدة , وحدي !
تركتني .. و أخذتي كُلَ شيء .. كُل شيء .. و ألقيتي بي إلى جحيمِ الوجعِ و الذاكرةِ المعطوبة !
وجهكِ علقتهُ بينَ ضلعيّ .. حملتهُ أعوامَ غُربتي كُلّها .. بل نقلتهُ لأرضِ وطني , جسدكِ الحُلم هوّ فتنةُ السنينِ الراحلة , هوّ وحدةُ الضوء الذي مازلتُ أبصرهُ في منامي !

أما أنا .. فأنا منذ رحلتِ و أنا مدفونٌ تحتَ أنقاضِ الهوى , بلا رئةٍ سليمة , و بقلبٍ مثقوب , و بلا رأس !






تمت .


هناك 8 تعليقات:

  1. أسجل أعجابي بالمدونه

    سأعود متمعنه أحرفها بعمق


    ملاذ

    ردحذف
  2. فاتِنةٌ بِمئةٍ وتسعون جمالاً

    ردحذف
  3. ملاذ .. في انتظارِ عودةٍ تكشِفُ عن مناجِمِ القمَرِ في حرفكِ ..

    و كُلّي لهذا الحرفِ .. حنين .

    ردحذف
  4. مطر متوقف ..

    و الفتنة التي سكنت انهمارَ المطر سكنت سكونهُ أيضاً .

    أهلاً بِك دائماً .

    ردحذف
  5. آلمطر آلخفيف ...!!
    وَ ذاتْ الـ دَهشه الـ تَلتبِسنيّ مَا آنَ أغَرقُ بِـ سُباتٍ وركًودُ
    لَذيذْ مَع حَرفِكْ وهذيآنِك ... مُدهِشٌ بِكُل ذا التَناقُض الـ تَدسهَ
    بينَ الأسطَر ... مُدهِشٌ وَ أكثر


    دام مداد ح ــرفك مُسكنآً لأوجآع

    لك مني جنآين من ورد الليلك

    ردحذف
  6. رديء صوتُ حُزنِنا ,
    يغرِقنا بِ ألحانٍ .. تُثيرُ فينا أوجاعنا .



    سقيا طُهر

    هذا الهذيان , يُزهِرُ فقط
    عندَ مرورِكم عليهِ ,
    فأهلاً بِ جنّةِ الليلاك الممتدة مِن قلبكِ
    إلى أرضِ المطر .

    ردحذف
  7. -
    -
    شُكرًا لقَلَمِكـْ ،،
    وللرّآئعةةِ الّتي تسكُنُ فيكْ ،،
    مُنْتَظِراً جَدِيدِكْ ..

    أحْمَدْ..!

    ردحذف
  8. شُكراً للربيعِ الذي يمتد بِ كرمهِ , فوقَ حديثي . .
    أهلاً بِك أحمد .

    ردحذف

تحتَ بابي , قلبٌ غافي , فرفقاً بِ خلوتهِ .