الأحد، 22 أغسطس 2010

مُدّي ضوءكِ . . حتى تُشرِقَ الحياة .

- بدايّة السرد : حنينُ حبيب .




هاتِ يديّكِ , هاتِ قلبكِ , هاتِ روحكِ فمازالت حقيبتي تتسعُ لِـ كُلِّ أشيائِكِ . . هاتِ بقايايّ , فما أنا فاعِلٌ بِ جسدٍ بِلا روحٍ وحدي !
عندما أسيرُ في شوارِعِ برلين , و صوتُكِ يأكُلُ قلبي كُلّه , فلا تتركينَ لي قلباً رطِباً يتجوّلُ في أزقهِ المدينة , في وجوهِ الصبيّات , خلفَ ضحكاتِ الأطفال , و فوقَ حكايا المُسنين , و تجاعيد المباني العريقة !
تأتينَ كـ الماءِ في ذاكِرتي , تغسلينني مِن حُزني و مِن مُخلّفاتِ هذهِ الغُربة , و تقعينَ عليّ كُلّي , فما أعودُ أعلمُ هل يتسربُ الماءُ إلى صدري مِن بكاءِ السماءِ أم من بُكائِكِ خلفَ جفني !
أعلمُ أنّ كُلّ الخرائِطِ لن تفسِرَ حجمَ المسافة الحقيقيّة بينَ قلبكِ و عيني , و أعلمُ جيّداً أنّي أقربُ مِن نبضِكِ لنفسِكِ , و لكنّي مُرهق يا حبيبةَ عُمري , وحيدٌ أقاسِمُ ملامِحَ وجهكِ مع فُنجانِ قهوتي , أشمُ رائِحتكِ في خُبزِ صباحي , و حديثُكِ لا يُغادِرُ صفحاتِ جرائِدي !
و أراكِ تتلونين في فصولِ هذهِ المدينةِ , و تتلوّنُ المدينةُ فرحاً بِكِ , و أنا أقفُ على إحدى الطُرقِ أتمنى لو أنّ المدينة كُلّها تتلوّنُ بِ لونِ عينيّك !
فأشتهي سماءها و أرضها , و أشتهي أزِقتها , و أشتهي النظرَ في سُكانها , كما كنتُ أشتهي تقبيلَ عينيّكِ في خيالي , لأرتسمَ أنا و قُبلتي كما الكُحل في عينيّكِ ,
و أراكِ على وجهِ الشمسِ تظهرين , فتذوبُ الشمسُ و تبكِ المدينة !
فأتمنى لو أنني بِ جناح , لِـ أصلكِ و أخوض عبوراً في ساحاتِ عشقكِ مرّة أخرى , فقط لو أنني أستطيعُ لمسَ كفّكِ , لكنتُ بأفضلِ حالٍ الآن !
كفّكِ تلكَ المُعجزة الإلاهيّة التي خُلِقت لِـ تكونَ منزلي , و وطني , و عُمري , و كُلّ أحلامي , و مُنايّ !!
لا أظنني بِ خيّر , فأنا لم أستردَ رُشدي بعد , مِن عناقِكِ الأخير ,
أبقيّتُ بِ " قُصيّ " كُلّهُ بينَ ذراعيّكِ , و سافرتُ بِ جسدي عنّكِ , ربما ظننتُ أنّي سأروّضُ هذا الجسدَ و أكسِرُ بِهِ حُزنَ الدُنيا , دونَ أن تمدي لي ذراعيّكِ كـ ملجأ ,
و أظنني فشلت .




أحبكِ , و أحبكِ كُلّما سكنت بحةُ صوتُكِ مدينتي !
.. انها تُمطر ,
تعالي إلى قلبي , قبلَ أن تسرِقكِ أماني المَطر , بعيداً عنّي !
أؤمنُ أنّ الأماني ستنطقُ يوماً و لكنّها تحتاجُ لِـ وقفةِ فرحْ , و أنا لستُ مكتظاً بالسعادة مِن بعدكِ , و هذا المَطر يُحرقني ببطء .. لهذا فـ أمنياتي حتماً لن تُصيب و أنا أتقاسمها معَ نفسي !
و كونكِ لستِ معي , فلا شيء يأتي بِ الدفء إلى صدري , و لا شمسَ تُشرِقُ في يومي , و لا مطرَ يبعثُ الفرحَ في نفسي , أشعرٌ بِ وعكة بسببِ غيابِكِ , و هذهِ المدينة تُرشِدني ممراتُها إتجاهَ إحتياجِكِ !
مازلتُ صامِداً أتخيّلُكِ تُطبطبينَ على الرجلِ الذي أحبّكِ و مازالَ يُحبّكِ , و أخافُ أن ينهارَ صمودي أمامَ صوتِكِ , فأنهار بِ بكاءٍ كـ الأطفال دونَ توقف , لهذا أنا لا أجرؤ على تحمّلِ صوتِكِ المسكوبِ مِن أسلاكِ هاتفٍ بارد !
تنامينَ على صدرِ مدينتي القديمة , تتوسدينَ أحلامنا القديمة , تستيقظينَ على صوتي في ذاكِرتكِ , توقظينَ السماءَ عندما تتفتحُ عينيّكِ و أنا في مدينتي هذهِ أتبعُ ظِلَ ظِلّي .. فلا يعبُرني ضوءٌ و لا أقعُ في شَرِّ ضحكتكِ المجنونة , فهل أبدو لكِ أنّي بخيّر !
ضحكتكِ كانت تسرِقُني مِن كُلِ الناسِ , فأتوّجُ ملِكاً في صباحٍ حملَ صوتَكِ . . تعالي و أنظري لِـ حالِ ملككِ , و هوّ يتقاسمُ ذاتَ الرغيفِ على أيامِ الشهرِ كافة , خوفاً من أن ينتهي الرغيفُ و تنتهي معهُ رائحةُ أصابِعكِ . . أنظري إليّ و أنا مريضٌ بِكِ , أشكو غيابكِ لِـ ستائر السهر !
و أخفيكِ في جيوبِ أمتعتي كُلِّها , حتى لا تسرقكِ الرياحُ كُلّما طرقت نوافِذي , حتى لا أنتهي من امتدادكِ داخلي !
و أسجلُ إعرافاتي كُلّها فوقَ نورِ القَمر , مازلتُ أتوجعُ كُلّما تذكرتُكِ و أنتِ تُقبلينَ قلبي , و أتوجعُ كُلّما ذكرتُكِ و أنتِ تُبدلينَ ثيابِكِ بِ دورانكِ بينَ أصابِعي , و أتوجعُ كُلّما ذكرتُكِ و أنتِ تتخذينَ مِن حُضني لكِ سريراً , و أتوجعُ جداً جداً كلّما ذكرتُكِ و أنتِ تُقبلينَ عينيّ بِ شفتين أرقَ مِن دمعِ النَدى !
و ايماني بِ أنّ لا طبيبَ و لا صديق , سيشفيني من هذا الوجع غيّركِ , و لا بشر سيخرِجُني مِن حالتي هذه كما تفعلينَ أنتِ , يزيدُ من وجعي !
منذُ أن وصلتُ لِـ هذهِ المدينة , و أنا لا أكمِلُ إرتشافَ كوبِ قهوتي , خوفاً من أن أبحثَ عنكِ في آخرِ الفنجانِ فلا أجدكِ !
و لا أرفعُ رأسي لأواجهَ السماءَ , خوفاً من أن أنتشي بِكِ حُلماً , فأقع في مصيدةِ عينيّكِ , أتشبثُ بِ رمشِكِ .. فألقي نظرة إلى داخِل عينكِ , و أظنُ أنّي دخلتُ الجنّة , فتسقِطُني دمعهُ شوق , و تُبعثِرني مع رياحِ هذهِ المدينةِ التي لا ترحم !


- دونَ خجل : أخبئ بُكاءً يَخُصّكِ .



من أغبى الحيلِ التي تمسكتُ بِها في هذهِ المدينة : حيلة السعادة !
فكنتُ أكتبُ رسائِلي إليّكِ , و أحدِثُكِ بِ صوتِ الفرحِ الذي عجنتهُ طويلاً في حُنجرتي حتى يظهرَ لكِ في رسالة , بِ أناقة .. تجعلكِ تظنينَ أنّي بِ خيّر , و أنّي ماعدتُ أبحثُ عنّي في صوتِكِ !
لم أكن أنتظِرُ حضوركِ , كنتُ على يقين بِ أنّ صوتَ رسائِلي سيخفي حسرتي بعيداً عنّكِ , و أنكِ ستنامينَ و تطبعينَ على خديّكِ كُلّ الأماني أن يديمَ الله عليّ سعادتي !
و عندما أنتهي من رسائِلي , أحرِقُها , و أحرقُ معها كُلّ الأماني .
في الحقيقة , ما كنتِ تغيبينَ عن خيالاتي , و كنتِ تُباغتينَ أوهامي عندما تحمِلنُي إلى بُكاءٍ عميق , لم أبكِهِ طيلةَ حياتي !
كانت الدموعُ تُحاصِرني كُلّما تذكرتُ وجهكِ و أنتِ تُخيرينني بينَ البقاءِ معكِ , و السَفرِ وحيداً .. !
لا أدري حينها كيفَ ظننتُ أنّي سأتحمّلُ هولَ عبوري لِـ مدينةٍ أخرى و أنتِ لا تُمسكينَ بِ يدي , و لا تقودينني خلفَ خطواتِكِ !
أصبحتُ مؤخراً أظنُ أنّ هذا الحُزنَ تسببتُ بهِ لنفسي , عندما فضلّتُ السعيَّ وراءَ أحلامٍ قديمة , تغيّرت منذُ أن خُلِقتُ مِن جديدِ بِ عمرٍ جديد حملكِ إليّ , و لم أدرِك تغيّرَ سيرَ أحلامي إلا هُنا , و أنا أحاولُ إلتقاطَ أنفاسي خلفها , بِلا جدوى ... وجهكِ فقط ما يتراءى أمامي!


توقفَ المَطر , قررتُ بعدَ ثلاث دقائق من الوقوفِ على عتبةِ بابِ الغُرفة , أن أخرجَ و أتسكعَ في الشوارع , علّ الماء الراكِدَ على تلكَ الشوارع يغسِلُ شيئاً مِن كآبتي .. و كي أغتسِلَ بِ شيءٍ من الشمسِ حتى لا أفقدَ رائِحةَ الشمسِ مِن جلدي !
هذهِ الشوارِع تمتلئ بِ الفتيات , و لكن من منهنّ تستطيعُ أن تُرافِقَ رجُلاً يحمِلُكِ في كُلِ أجزائه !
فكرتُ في تضييع الوقت بِ التنقلِ بينَ المتاجر و البحثِ عن متاجِرَ صغيرة غيّر مكتظة بِ النساءِ , فكرتُ أن أذهبَ إلى متجرِ العمِ مصطفى , هذا الرجل تُركيّ الأصل و يتحدّثُ العربيّة كما لو أنّهُ ولِدَ مِن رحمِ قاصّةٍ عربيّة .. لديّهِ مِن الخِبرة ما تطغى على تجاعيدِ جسدهِ النحيل , شعرهُ أشعث , و ابتسامتهُ كسيرة , هوّ لا يحدثني عن نفسه لهذا أنا لا أعرفُ كيفَ أخذَ الحُزنُ طريقاً لصدرهِ , و لا أعرفُ عنهُ سوى سوء الحَظ .. و لعلّ حظهُ هذا ما دفعني لِـ أظنّ بِ أنّي الآن أشبههُ تماماً .. و أنّي أحتاجُ أن أتحدّثَ معهُ عن حظي الذي ماعادَ يبتسمُ منذُ ابتعدتُ عن دائِرةِ ضوئِكِ !
اشتريتُ بعضَ الكعكِ في طريقي , و سرتُ إليّهِ مُحمّلاً بِ الشكوى , و أنا أراقِبُ خطواتِ الفتياتِ و هنّ يتمايلنَ و يتجملّنَ بِ خطواتِهن .

.. السلامُ عليكم .
.. و عليكَ السلامُ يا قُصي , كيفَ أنت ؟
.. نصفُ مرتاح .
.. و أينَ ذهب النصفُ الآخر ؟ " مُمازِحاً "
.. زارتني في منامي بِ الأمسِ أيضاً . " مُتجاهِلاً دعابته "
.. جميل .


صمتَ كِلانا .. كُنتُ أفكِرُ هل " جميل " تعني أن أكمل , أم أنّهُ مَلّ مِن شكوايّ قبلَ أن تبدأ !

ثُمَ أكملَ مُتسائِلاً :


.. و كيفَ بدت ؟
.. نصفُ مرتاحه .
.. هل تركت لكَ خبراً أو رسالة ما ؟
.. كانت تلفُ سجائِري بِ ورقِ رسائِلي ... و تُدخِنُها !
.. اذاً هيّ مُدمنة .
.. أقسمُ لكَ أنّها ما دخنت سيجارةً مِن قبل ! " بِ إنفعال و كأنّهُ شتمكِ "
.. أقصد , مُدمنة لِـ رسائِلك . . لِـ حديثك ربما .

صمتَ و أنا إبتلعتُ إنفعالي .. ثُمَ قال :
.. أكتب لها رسالة , بما أنّكَ لا تُريدُ الإتصالَ بِها عبرَ الهاتِف .






استأذنتهُ بِ الرحيلِ , و هوّ يُرتِبُ بعضَ الأشرِطة القديمة , فأهداني احداها و همس : هذهِ الموسيقى ستأخذكَ إلى الصواب !
حملتُ الشريطَ بِ كلتا يديّ , و كأنّ حياتي الآن متوقفه على هذهِ الموسيقى .. و سرتُ و أنا أتبعُ ظِلّي إلى غُرفتي و خيبتي مازالت تلحقُ بي !
في طريقي .. توقفتُ أمامَ إحدى المكتباتِ الكبيرة , إبتعتُ ظرفاً و بعضَ الورقِ الأبيض .. و قلمَ حبرٍ جاف .. و كنتُ كُلَ طريقَ عودتي أتمنى أن يكونَ المتجر القريب مِن غُرفتي مازالَ مفتوحاً لِـ أشتري مُسجِلاً , لعلّي اليوم أجدُ طريقَ الصوابِ أو يحمِلُني صوتُ ملاكٍ إليّكِ !
لحِقتُ بِ صاحِبِ المتجر و هوّ يغلقُ أبوابَ متجرهِ , طلبتهُ مُسجِلاً .. كانَ يرفضُ في بادئ الأمر إعداة فتحِ الأبواب , و لكنّ كُلّ اللهفةِ و الخوفِ المجتمعِ في وجهي , و ملامِحِ الموتِ التي بدأت ترتسمُ عليّ جعلتهُ يعيدُ إدارةَ المفتاحِ في قفلِ الباب ., دخلَ متجرهُ ليعود بعد دقيقتين و هوّ يحمِلُ مُسجِلاً .. أعطيه النقودَ و كثيراً مِن الشُكرِ , كما لو أنّهُ وهبني حياتهُ و ليسَ مجرّد علبة بلاستيكيّة بِ أسلاك !
دخلتُ غُرفتي مُسرعاً , على عكسِ عادتي ..
خلعتُ حذائي البنيّ , و المعطف الذي لم ينجح بِ إدخالِ الدفء إلى قلبي . .
أدرتُ الشريط على عجل , و رميتُ بِ جسدي فوقَ السرير , و أغمضتُ عينيّ , كي لا يخاف الصوابُ مِن عُمقِ عينيّ و غرقِهما بِكِ , فلا يأتِ !
بدأت الموسيقى تسرقُ شيئاً من روحي , الوضعُ كانَ يشبهُ الإختناق , كنتُ أشعرُ بِ قشعريرة تنمو على أطرافِ جسدي , أصبحتُ أرى وجهكِ و أنتِ تنظرينَ إليّ بعينيّن متأملتين , و صوتُكِ و كلماتُ الوداعِ أصبحت تطرقُ في رأسي , كـ أجراسِ الكنائِسِ هُنا , وتقرعُ في رأسي حنيني و خوفي و كُلُ لغاتِ العتابِ تجتاحُني , لم أعد أطيقُ هذا الاتساع , هذا العُمق الذي أغرقُ بِهِ وحدي ... أطفأتُ الموسيقى , و خضتُ بكاءً طويل .. طويلٌ جداً !




- لستُ أنا , و لكنني أحاول :



بعدَ أن صارعتُ النومَ طويلاً لِـ يزورني , و ما كادَ يفعل .. فعلَ أخيراً و أخذَ بِ يدي , إلى أرضٍ خضراء لا تُشبهُ أرضَ وطني , منذُ أن أدخلني إلى تلكَ الأرض و قلبي تعلّقَ بِ كُلِّ شيء , كنتِ تقفينَ في الطرفِ الآخر مِن جسرٍ امتدَ مِن صدري إلى تلكَ الأرض , و تحملينَ في كفيّكِ دفتراً قديماً , و تقرأئينَ عليّ بِ صوتِكِ الحاني , و تُذكرينني بِ كُلِ عاداتي القديمة في وطني , و تقاليدِ شعبِنا المُسالم , ثُمَ أخذتي بِ يدي و وضعتِها على قلبكِ و قُلتِ : " حُلمُكَ لا يعني أن تنسى طينَ قلبِكَ و طينَ جسدِكَ و طينَ عينِكَ يا قصي " .
ثُمَ تلاشيّتِ معَ الريح !
استيقظتُ و أنا أشعرُ بِ العطش , ملأتُ كأسَ ماء , و أعطيتُ فِكري نُزهةَ سرحان , أمسكتُ بِ هاتفي النقال , بدأتُ بِ طلبِ رقمكِ , و أصابعي متثاقِله ع أزاريرِ الهاتف , بِ مجرّد إدخالي لِـ مُفتاحِ الوطن , غيّرتُ رأيي و قررتُ مُهاتفةَ أمي ,
فربما صوتُ دُعاءِ أمي , و حِرصِها المليء بِ النصائِح , و كُلُ نصائِحها التي حفظتُها عن ظهرِ قلب , ستخففُ عنّي حُزني هذا اليوم .


.. أمي .
.. قصي ؟ " و أشعرُ في سؤالِها شوقاً و لهفة , يجعلاني أحِنُ إلى العودةِ طِفلاً على صدرِها "
كيفَ أنتَ يا بُني ؟
.. أحببتُ المدينة يا أمي . " أجبتُ قبلَ أن تسأل , كي لا أغرقَ في البكاءِ مِن جراءِ سؤالِها , و أسقِطُ في قلبِها حُزناً لا يُلائِمُ دفءَ وجهِها "
.. الحمدُ لله , و كيفَ هيّ صحتك ؟
.. كالأسد , لا تقلقي .. أخبريني , كيفَ أنتم ؟
.. كُلّنا متلفهونَ لِـ عودتِكَ .. قصي , عِدني أن تتصرّفَ كـ ابني !
.. لا تقلقي يا أمي , لن يخذِلكِ ولدكِ الذي كبرَ على بياضِ قلبكِ .
.. بِ حفظِ الرحمن .
.. مع السلامة .


و أغلقتُ السماعة , ابتسمتُ و تمنيتُ لو أنّي وضعتُ رأسي في ذاكِرة فارِغة , و تركتُ كُلّ الذكرياتِ و الأصواتِ الدافئة على مُدرجاتِ الطائِرة , قبلَ صعودي إلى مصيري الجديد .
لم أكن أتصوّر أن خروجي من قوقعةِ مدينةِ جِدّة , سيغرِقُني في مدى لا أرى فيهِ غيّرَ وجهِكِ الحزين , و أراكِ في أحلامي تُهذبينَ بي تصرفاتي السيئة .. فأيّ وجعٍ أتحمّلهُ كُلّما تذكرتُكِ و أنتِ تُخيرينني بينَ حُلمي و بينكِ !
خرجتُ من غُرفتي مُتأخراً بعدَ أن قضيتُ اليومَ كُلّهُ و أنا أذكركِ و أنتِ تُصوبينَ إصبعكِ بِ إتجاهي كـ المُسدّس و تقولينَ : " سأقتُلكَ إن عاودتَ النظرَ إلى ساقيّ مُجدداً ! " , فأحدّقُ في وجهكِ و أنتِ غاضبة , فتضحكين !
كنتُ كُلّ اليومِ أتخيّلُ ضحكتكِ , و كيفَ أنّها تأتِ في كُلِّ مُحادثاتِنا كما لو أنّكِ تُقبلينني على كُلِّ حرفٍ يخرجُ و أنا بينَ يديّكِ و في حضرةِ نوركِ .
.. تسكعتُ طويلاً و أنا أجرُّ الليلَ خلفي , مشطتُ كُلّ الشوارِعِ و أنا أحاوِلُ الإمساكَ بِكِ في خيالي , و أنتِ تتمايلينَ أمامي في كُلِ الشوارِعِ , تبعتُ طيفكِ حتى اهتديتُ لِـ حانةٍ قريبة من غُرفتي , كانت منعجنة بِ الضحكات , دخلتُها علّ نوبةَ الضحكِ تنتقلُ إليّ !


.. أهلاً سيدي , أتريدُ كأساً ؟
.. نعم , لما لا . " ربما إن أصبحتُ سيئاً ستأتينَ إليّ في حُلمِ اليومِ لتوبيخي , فقد اشتقتُ وجهكِ و أنتِ غاضبة كـ ياسمينة قُطفت قبلَ أوانِ نضجِها ! "
.. ماذا تُفضل ؟
.. أيّ شيء ! " و لم أكن أعلمُ أنّ أيّ شيء تعني أثقلَ أنواعِ الكوؤس و أكثرها تأثيراً على اتزاني "


بدأتُ أشربُ الكأسَ تلوَ الآخر , و هذا الرجلُ البدين يملأ كأسي , و يملأ معهُ صوتُكِ في رأسي , حتى فقدتُ وعيي .. و بدأتُ أرى وجهكِ يقتربُ منّي , و ضحكتُكِ خُلِطت بِ ضحكاتِ الحانةِ و ما عدّتُ أميّزُ شيئاً !


- ( +18 ) :



استيقظتُ صباحاً لأجدَني عارّياً , متمدداً فقط بِ جوربان يغطيانِ قدميّ , و على الجانبِ الآخر من السرير امرأةٌ لا أعرفُ من تكون , و لا أذكرُ أنّ ملامِحها سارت أمامَ عينيّ قبلَ هذا الوقت .
انتظرتُها حتى استيقظت .. كنتُ أدخنُ بِ شراهة في زاوية من الغرفة , أنتظرُ مِنها أن تُخبرني كيفَ وصلت لِـ سريري عاريّة دونَ إذن !
في الحقيقة كانت أوّل مرّة أجربُ تدخينَ شيءٍ غيّرَ شفتيّكِ في مُخيّلتي , و كانت تلكَ السجائِرُ تخصُ السيّدة الغافيّة على سريري , استخدمتها كي لا أدخنكِ و أنا متورّطٌ بِ جسدِ غيّركِ !


.. بونجوغ " قالتها أوّل ما جاءت عيني بعينِها "
.. صباحُ الخير . . من أنتِ ؟
.. ألا تذكر ؟
.. لا !!


تضحك و هيّ تقتربُ منّي بِ جسدٍ لا يُغطيّهِ أيّ شيء !
تجري عيني إلى زاويّةٍ أخرى , و أسأل بِ صوتٍ مخنوق :


.. ماذا حدث ؟
.. لا شيء !
.. و لما أنتِ , و أنا ؟ " و يدي تمتدُ إلى جبيني لأخفف على نفسي هوّلَ الجوابِ الذي لم يطرق أذنيّ بعد " !
.. لالا , لا تقلق .. لم يحدث شيء , ظننتُ أنّكَ مُعجبٌ بي و تُريدني , فقد كنتَ تصرخُ و نحنُ نعبُرُ الطريقَ لِـ منزِلكَ : " تعاليّ , أريدكِ , أريدكِ .. " و ما أن استلقيتُ قُربكَ حتى خُضتَ نوماً عميقاً و تركتني دون قُبلة حتّى , تخيّل .
تتكلّمُ و هيّ تتمايلُ أمامي , و بِ إستهزاء !

.. اذاً لم يحدث شيء ؟
.. أتريدُ أن يحدثَ الآن ؟


ألقيتُ عليّها قميصاً يخصّني , و أنا أتحسسُ صوتَكِ المخنوقَ في صدري , عندما كُنتِ تُطالبينني بِ قميصٍ يحمِلُ رائِحتي حتى ترتدينهُ في كُلِّ رغبةٍ عميقةٍ بِ حُضن , لا أكونُ أمامكِ لِـ تلبيّتِها , و كيفَ أنّ امرأةً أخرى لا أعرفُ عنّها حتى اسمها حصلتَ على قميصٍ منّي بِلا جُهد !


.. إرتدِ هذا .
.. لماذا لستَ كـ غيّرِكَ من العرب ؟ " و هي تُغلِقُ أزاريرَ القميصِ و تُخفي عنّي نهديّها "
.. لستُ كـ أيّ شخص .
.. نعم صدقت , ففي الأسبوعِ الماضي نامَ في فراشي عربيّ ثلاثةَ ليالي , أتصدّق !
.. اها .
.. أنتم العرب غريبونَ أيّضاً .
.. ربما . " و أنا أستجمعُ فزعي المسكوب على أرضيّةِ الغُرفة "


.. ذاكَ العربيّ , عاشرَ جسدي و لم ينطق بِ حرف .. ثُمَ غادرني بعدَ ثلاثةِ أيام و تركَ لي ورقة كتبَ لي فيها : " إن عاشرتُكِ أكثر , سأركُلُ كُلّ مبادئي , أحلامي , و سنينَ عُمري .. أنتِ جميلة و جسدكِ لن يتحمّلَ ثورةَ عربيّ حزين ! "


أتصدّق , ظننتهُ لا يجيدُ التحدّثُ أصلاً !


لم أتفوّه بِ كلمة , فأكملت كلامها :


و قبلَ ستةِ أشهر , ظنني عربيّ اسبانيّة لا أجيدُ الألمانيّة , و طولَ المُعاشرة و هوّ يسألني أيّنَ الحمام ؟ و أنا أضحك !
فظنّ أنّي لا أفهم ما يقول , و بدأ يُمثلُ لي حاجتهُ لِـ إستخدامِ الحمام !
و أنا أضحك !
و بعدَ أن أفرغتُ رغبتي فيه , دخلتُ الحمامَ و إغتسلتُ و هوّ ظلّ يطرقُ البابَ و يصرخ : " أريدُ استخدام الحمام , أخرجي من فضلّك "


" و هيّ و تقومُ بنفخِ خديّها و تقليدِ صوتهِ الخشن ! "


و بعدَ نصفِ ساعه خرجتُ من الحمام لأجدهُ يتبوّلُ من الشُرفة !
و تضحك بِ مكر و هي تُكملُ حديثها : كانَ يستحقُ ذلك , فهوّ لم يحسن مُعاشرتي !


ثُمَ تُكمل بِ إندفاعٍ أقل :


و تاريخي حافلٌ بِ العربِ غريبي الأطوار ..
جاءت فترة , قُرابةَ الثلاثةِ أشهر , و أنا أفرّغُ مُتعتي كُلّها عن طريقِ الهاتف , كانَ رجلاً عربياً يسكنُ في مدينةٍ ميونخ ..
إلتقيتهُ في احدى المقاهي عندما كنتُ أزورُ جدتي هُناك , و تبادلنا الحديث , و الأرقامَ أيضاً ,
و من أوّل مكالمة و هوّ يُثيرُ بي كُلّ الرغبة بِ صوتهِ و حديثهِ عن المُعاشرة !
فأصبحتُ أعاشِرهُ في خيالي , و هوّ يصلُ إلى حدّ الشبعِ بِ فضلِ صوتي ..
قررتُ بعدها زيارته , استقبلني بكامِلُ رجولته , و عندما وصلنا للحظةِ المُعاشرة , أخبرني أنّهُ لم يُعاشِر جسداً مِن قبل !
أتصدّق .. رجُلاً في الثامنة و العشرونَ مِن عُمرهِ لم يلمس جسدَ أنثى مِن قبل !


ثُمَ تضحك و تُكمل : إشتعلت النارُ في بنطالهِ عندما رآني عاريّة , و لكنّ نيرانهُ سُرعانَ ما إنطفأت عندما إنفجرتُ أمامهُ ضاحكة لِـ طريقتهِ البدائيّة في المُعاشرة .


,ثُمَ نظرتْ إليّ .. فوجدتني أحدّقُ فيها دونَ أيّ إنفعالات مع قصّتها تلك , بِ ملامِحَ بارِدة , دونَ أن يُحرّكَ بي جسدُها و حديثُها عن الجِنس و الفِراشِ أيّةَ رغبة , فصمتت .
ثُمَ مدت يدها لتُصافحني و قالت :


.. انا جوليا , أو كما ينادونني في منزِلنا خوليا , فأنا مكسيكيّة الأصل .
.. أهلاً , أنا قصي .
.. اسمٌ جميل .
.. شُكراً .


رفعت بيديّها شعرها , و ابتسمت , و قالت :


.. أظنُ أنّ عليّ الذهاب الآن .
.. حسناً .
.. أتسمحُ أن أزوركَ قريباً .. كـ صديقة , فأظنّكَ لن تُرحبَ بي في فراشِكَ , ربما جسدي لا يُناسِبُ مِزاجك , و أظنني أستحقُ فرصةً أفضل لِـ لقائِكَ !
.. مزاجي مُزدحم بِ أمورٍ أكبرَ مِن جسدكِ .


و بعدَ صمت :


.. حسناً يمكنكِ أن تأتِ فنحتسي الشايّ معاً , و أنا أعرفُ مخبزاً يبيعُ كعكاً شهيّاً , ربما تُريدينَ تذوّقَ شيءٍ منه .
.. بالتأكيد .. اذاً , الى لقاءٍ قريب .
.. إلى اللقاء .


و تُغلِقُ خلفها البابَ , و تفتحُ في نفسي ألفَ بابٍ لِـ تأنيبِ الضميرِ فأظنني اليومَ نكثتُ ميثاقَ الحُبِ و أنا أراقِبُ امرأةً عاريّة تتمايلُ أمامي كـ غصنِ زيتون .. و أنا أقفُ كـ الأبلهِ أفكّرُ لمَ ليست تلكَ المرأة أنتِ , لمَ لا يجمُعني القَدرُ بِكِ في فراشٍ دافء , نتبادلُ فيهِ النظراتِ و حواراتِ حُبٍ حميمة .



- وحيدٌ دونَ ذِكرى :

 


تنقلتُ في الغُرفة بِ خطواتٍ كئيبة , و أنا أضحكُ في سِرّي كـ المجنون , كيفَ سيكونُ منظرُ أبي لو رآني اليوم مُستلقياً أمامَ امرأةٍ عاريّة , هل سيسردُ عليّ شريطَ التحلي بِ الأخلاقِ الحميدة ؟ أم أنّهُ سيملأ السريرَ بِ الوقودِ و يُشعِلُ النارَ لنحترِقَ في جهنّم بِ جسديّنا , دونَ أن يوحي لهُ وجهي الأصفر أنّي لا أدرِكُ كيفَ وصلَ جسدها البرونزيّ إلى شراشِفِ سريري !
استلقيتُ على السرير , و عينايّ لا تُفارِقانِ سقفَ الغُرفة , فكرّتُ أنّ أدخِرَ كُلّ النقودِ التي خصصتُها للمُتعة , كـ الذهابِ للسينما و مُشاهدةِ الأفلامِ الممنوعةِ في موطني , و التنقل في أرجاءِ المدينة , و زيارة المتاحف , و التسكع على الشاطئ , فأنا لن أحمِلَ إبتساماتٍ شبيهةً بِ ضوءِ الشمسِ لِـ أوزِعها على الفتياتِ المُسلقياتِ لِـ أخذِ جُرعةِ برونزاج , ف قررتُ أن أخلُدَ في نومٍ ربما يجمعني بِكِ , فأسمعُ منكِ خبراً طيّباً أو أشاهِدُ فيكِ فيلمَ حُبٍ حقيقيّ !
هذهِ المرّة , أتيتني في حُلمي بِ فُستانٍ أبيّضَ قصير , أقربَ للشفافِ , يُظهِرُ فتنةَ لونِ جسدكِ ,
كُنتِ تُعلمينني لُغةً جديدة , لنتحدّثَ بِها معاً , دونَ أن يفهمها غيّرنا , و أنتِ مُستلقيّة على أريكةٍ حمراء , و الفستانُ يُظهِرُ ساقيّكِ , و فخذيّكِ , و يأخذُ بِ عقلي بعيداً بعيداً ..
فأرددُ : أحبكِ ,
و أنتِ تضحكين !
ضِحكتُكِ تجعلني أتجرأ أكثر , فأقتربُ أكثر , و أقولُ مُجدداً : أحبكِ
و تضحكين !
و تضحكُ معكِ الدُنيا , و عصافيرُها , و قلبي ..
أقتربُ أكثر , أكشِفُ عن نهديّكِ , يتصلّبُ زراهما رعشةً بعدَ رعشة ,
و تختفين !
كأنما تُعاقبينني على عدمِ ترويضِ رجولتي أمامَ مفاتِنكِ !
أستيقظُ بشكلٍ مفجوع !
و أنا أتصببُ عرقاً , و ألعنُ نفسي , كيفَ أجرؤ بعدَ تلكَ الأعوامِ الطاهرة أن ألمسكِ في حُلمي دونَ إستحياء !
قررتُ بعدها , أن أعطي مشاعِري قِسطاً من الراحة , و أن أبدأ بِ التركيزِ على هدفي الذي جاءَ بي إلى برلين .
إنقطعتُ عن كُلِ أخباركِ و عن الحديثِ عنكِ مع العم مصطفى , و حتى عن ذكركِ أمامَ جوليا .. التي بدأت ترافقني إلى صالات السينما , و في النزهاتِ التي أحتاجُ فيها إلى رفيق .
بدأت جوليا لا تُفارِقني تقريباً .. و أنا بعيدٌ جداً عن فكرةِ الحُبِ الآن ..
كان كُلُ تركيزي , أن أتيحَ لنفسي خوضَ تجربةِ النضجِ و الإعتمادِ على الذات , بعيداً عن قلبكِ الحنون , بعيداً عن صوتِكِ , عن وجهكِ , و بالتأكيد بعيداً جداً جداً عن مُقاسمةِ جسدي مع جوليا .
كنتُ أجلسُ على مقعدٍ في إحدى المنتزهاتِ القريبةِ من الجامعة , و أنتظرُ جوليا التي تأخرت على غيّرِ عادتِها ,
قلتُ في نفسي : ربما أخرها رجلٌ آخر , فهيّ لم تنم على صدرِ رجل منذُ أن إلتقت بي , لابدّ أن حليمة عادت لعادتها القديمة !


- مِن خلفِ زُجاجِ الشاشة : أنا أحب .



مرت ستةُ أشهرٍ منذُ أن ودعتُ وجهكِ , و لي ثلاثة أشهرٍ كُلّما حضرتِ إليّ في خيالي , أشغلتُ نفسي عنكِ , أتذكرُ كيفَ بدأنا , منذُ خمسةِ أعوام , عندما إخترتِني في إحدى المنتديات لِـ أكونَ " العضو " الذي يليكِ بِ الإجابة على أسئلة لِـ موضوع نتعرّفُ فيهِ على " أعضاءِ المنتدى " .. أخبرتني فيما بعد أن إختياركِ لي كانَ بِ محضِ الصدفة , حيثُ أنّكِ اخترتِ " اسم العضو " الذي كانَ يتصفحُ الموضوعَ معكِ دونَ أن تعلمي أنّ القدرّ يُخبئ لكِ معهُ أكثرَ مِن مجرّدِ رد !

حكاياتُ الماضي كفيلةً بِ جعلنا نبتسم !
لن أنسى كيفَ أنّي توطتُ في البحثِ في كُلِّ مواضيعكِ , لأجدَ أيّ شيء يُثبتُ تفرغكِ عاطفيّاً أو أيّ مُشاركة تُثمرُ عن رأيكِ في الحُبِ أو ما شابة !
كانت أصابعي تركضُ بِ إتجاهِ مواضيعكِ , لأصافِحَ حديثكِ عن كُلِ مجالاتِ الحياة , و أتعمّقَ فيكِ أكثر !
كنتُ في كُلّ مرّة , أجدُ شيئاً فيكِ يجذبني إليّكِ أكثر , و كنتُ في كُلّ مرّة أنادي نفسي بِ الأحمق .. فأينَ عينيّ عنكِ قبلاً ؟
لم أكن مِن فئةِ الشبابِ الذين يتجولونَ في الأسواقِ , و يلقونَ أرقامهم على هذهِ و تلك , علّ احدى الأرقامِ تُصيب .. فتقومُ الفتاةُ بِ مُبادرةِ الإتصالِ , ثُمَ تتطوّرُ الأمورُ سريعاً فيحصلُ الشابُ على قُبلةٍ عميقة , لا تمتُ للحُبِ بِ صلّة , و تكونُ تحتَ شِعارِ الحُبِ , بِلا أيّةِ مُبررات .
و لم أكن أتصيّدُ الفتياتِ للتباهي أمامَ المعارف و الأصدقاء ,
و كُلُ الطرقُ المُختلفة , المتبعة في مجتمعنا , لتصيّدِ الفتياتِ و إقامةِ علاقاتٍ قصيرة المُدّة , كبيرةَ المقصد .. ما كانت تُثيرُ إهتمامي ..
و لكنني أعجبتُ بِكِ , بل أظنني تعلّقتُ فيكِ , مِن قبل أن أحدثكِ , أصبحتُ أتخيّلُ نفسي في كُلّ يوم , و أنا أصافِحُ يدكِ الدافئةَ في تكوينِها , و أسمع ضحكتكِ تنبتُ في صدري ..
إلى أن قررتُ أن أطلبَ مِنكِ بريدكِ الإلكتروني , فهوّ الوسيلة الوحيدة لِـ تحقيقِ حوارٍ أنيق مع امرأةٍ مِن مدينتي .
و أذكرُ مُحادثتنا الأولى جيّداً ..
كنتِ متزنة إلى الحدّ الذي جعلني أظنّ أن امرأةً مثلكِ لن يُغيّرَ مِن عقائِدها رجلٌ بائسٌ لا شيء في حوزتهِ سوى كلامٌ منمّق , و بعضَ الخيالِ هِبةٌ من المولى – فقد قالَ لي مدرسُ التعبيرِ و أنا في مرحلتي المتوسطة أنني مشروعُ مُخرجٍ أو كاتبٍ عبقريّ إن قمتُ بِ تنميّةِ موهبتي - و لكنّي لا أحسنُ إستخدامها .


.. السلامُ عليكم .

.. و عليكَ السلامُ أخي .
.. شُكراً على قبولِ إضافتي .
.. لا بأس , و لكن هل لي بِ الموضوع الذي طلبتَ بريدي لِـ تُحدثني عنه ؟
.. أريدُ أن أشكركِ .
.. على ماذا ؟
.. على أنّكِ إخترتني في موضوعِ الأسئلة بعدكِ .
.. لا بأس , فقد كنتُ مضطرة لِـ إختيارِ أيّ شخص . " كأنّكِ علمتِ أنّي وصلتُ السماءَ و أنا أحدثكِ فأردتِ ان تُذكرينني بِ إنتمائي للأرضِ , فأطلقتِ جملتكِ هذهِ حتى أسقطَ على قلبي , و أتوجع ! "
.. و أيضاً أريدُ أن أشكركِ على شيءٍ آخر .
.. ما هوّ ؟
.. على أنّكِ تكتبينَ في هذا المنتدى , فأنا أحبُ مواضيعكِ جداً جداً .

ضحكتِ .. ثُمَ قُلتِ :
.. حسناً أنا أسأذنكَ الآن .
.. الوقتُ مازالَ مُبكراً .
.. لا شيء خلفَ هذهِ الشاشه يُغري لأبقى . " كانت ثاني صفعة مِنكِ في أوّلِ مُحادثةٍ بيننا "
.. حسناً , أراكِ قريباً ؟
.. سأفكرُ بِ الأمر . " و كأنّكِ تتلذذينَ في صفعِ قلبي !
و أنا كنتُ مندهشاً لِحالِ قلبي فهوّ تمسّكَ بِ كُلّ بصمةٍ لكِ حتى البصماتِ التي تؤذي ! "
.. اذاً إلى لقاءٍ قريب .
.. إلى اللقاء .




و كنتِ تُغادرين , و كأنّما الدُنيا تُودعني و تُغادِرُ من أمامِ عيني , و لا أدري إلى وقتي هذا لما كنتُ أتخيّلُ وداعكِ قُبلةَ حبيب .. و أتخيّلُكِ مِن خلفَ الشاشةِ تبتسمين .
توالت بعدها أحاديثنا مِن خلفِ شاشةٍ أصبحتُ أراها تحمِلُ لي دفئاً أكثرَ مِن كُلِ معاطِفِ الشِتاءِ و مدافئ العالم ..
كنتُ أتوددُ لكِ , فتصدينني , و أعاودُ الكرّة ف تضحكين !
و ضِحكتُكِ , تجعلني أجرأ أكثر .. و أعاودُ الكرّة بدلَ المرّة ألفاً ..
كنتُ أتخيّلُ ابتسامتكِ , و كأنّكِ تفتحينَ لي بِها باباً من أبوابِ الجنّة , فأستنشِقُ ريحها العطر , و أرى حُسنها , ف لا ينقطعُ هذا الجمالُ إلا حينَ صمتك .
وحدكِ , من كانَ يخلقُ في قلبي الفرح , و تُجردينني من كُلّ شيء , فأقفُ أمامكِ سعيداً و أنا لا أحملُ في صدري غيّرَ حُبكِ , و لا ينمو فوقَ جسدي غيّر صوتكِ , و لا يكبرُ في عُمري غيّر وجهكِ و سحرَ ابتسامتكِ .
حتى أنّي أذكرُ أنّي وصفتُ سِحرَ تلكَ الابتسامة لأحدِ صِغارِ العائِلة , كانَ في الخامِسة مِن عُمرهِ , أنصتَ إليّ جيّداً و أنا أصفُ صفّ أنانِ اللؤلؤ , و شِفاهَ الوردِ التي لا تملكهما أنثى غيّركِ يا ندى ..
ظننتهُ يرسمُكِ في رأسهِ الصغير ,
إلى أن انفجرَ ضاحِكاً ذاك الصبيّ , و قال بِ صوتٍ غزا المنزِلَ بِ أكمله : جُن قصي , جُن قصي .
كنتُ مجنوناً حقاً , فكيفَ لا أجن و بينَ يديّ حِكاية مِن الغُنجِ ما رأيتُها بِ فتاةٍ قبلكِ يا نداي .




- أعلنها للشمس , أنتِ حكايتي :


قطعَ سرحاني فيكِ .. اتصالَ ياسر , أجبتُ و أنا أنظرُ لساعتي , جوليا لم تأتِ بعد و لا أظنّها ستأتِ .
.. أهلاً يا رجل !
.. أهلاً ياسر .. كيفَ أنت ؟
.. أنا أفضل حالاً منك .
.. الحمد لله .
.. ماذا لديك الآن ؟
.. لا شيء , كنتُ أنتظرُ جوليا و لم تأتِ .
.. أوه تلكَ الفاتنة الشقيّة .
.. نعم .. نعم تلكَ الشقيّة , و لمَ تسأل ؟
.. أينَ أنت , أريدُ مُقابلتك ؟
.. في الحديقةِ المُجاوره لِـ جامعتنا , قُربَ محلِ المُثلجات .
.. خمسُ دقائق , و ستجدني أمامك .
.. في انتظارك .


ياسر صديقُ عُمري , رغمَ إختلافِ أرائِنا حولَ الحُبِ و الفتيات , و لكننا نتفقُ في باقي أمورِنا , ياسر يرى الحُبَ سراباً لا أصلَ لهُ , و أنا تغيّرت كُلُ عقائدي بعدَ أن تورطتُ بِكِ .
مَدّ ياسر يدهُ مِن خلفِ المقعد , و بينَ أصابعهِ تشتعلُ سيجارة ..


.. أكملها عنّي .
.. تعلمُ أنّي لا أدخن يا ياسر .
.. و لكنّكَ دخنتَ مع جوليا .
.. و ماذا أخبرتكَ جوليا أيضاً ؟
.. أنّكَ شاردُ الذهنِ كثيراً .
.. و ماذا أيضاً ؟
.. و أنّكَ متورطٌ في مأزق عاطفي .. لهذا أنتَ لا تلتفتُ لِـ جسدها .
.. ربما .
.. ثُمَ كشفت لي عن مفاتِنها , كي تُثبتَ لي نظريّتها بأنّكَ متورط عاطفيّاً و أنّه لم يخلق رجل يستطيعُ مُقاومة قوامِها .
.. و نجحت ؟
.. بِ درجةِ إمتياز .. جسدها كـ مكارِمِ العنب , تصلها فتشبعُ كُلّ حواسِكَ , تتذوّقُ جنّةَ الله في أرضهِ .
.. جنّة الله في قلبِ ندى , و الله .
.. يا رجل , تتحدّثُ عن الحُبِ و كأنّهُ المتعة الوحيدة في هذهِ الحياة , و تجعلُ نفسك حبيساً لِـ ذكرياتِهِ و صوتهِ المفقودِ على زوارِقِ الخطواتِ الراحلة !
.. هوّ الصوتُ الذي يُفاجئنا بِ ما لا نتوقع , في الوقتِ الذي لا نتوقع , فنخضعُ لهُ كما لو أنّهُ لحنُ سِحرٍ محكوم و مُربك .
.. صدقت , هوّ سحرٌ يسحِرُ القلوبَ الضعيفة .
.. لن تتغيّر يا ياسر قبلَ أن تُجرّبَ خوضَ تجربةِ حُبٍ صادقة , فتتبدّل عقائِدكَ و كُلّ مبادئك , و ربما تتبدّل بِ أكملك .
.. الحُبُ مجرّد جسرُ كلام , يبنيهِ المتحابين , ثُم يعبرُ أحدهم إلى الضفةِ الأخرى و يبقى الآخر يعيشُ معَ الأوهام .. استيقظ يا رجل , ندى لم تسأل عنك و أنتَ لم تُطلعها على عنوانِك , فلماذا تتعلّقُ بِ ذكراها هكذا !
.. الحُبُ أعمقُ مِن وِصالٍ يُثمِرُ في مكالمةٍ هاتفيّة أو قُبلةٍ مبعوثه بِ رسالةٍ نصيّة .
.. أنت تُراوغ , و تُهدرُ العُمرَ في خيالاتٍ لا واقِعَ لها .
.. الحُبُ أجملُ واقع .
.. لا أساسَ للحُب الذي تعيشهُ في رأسِكَ و رأسِكَ فقط يا قصي , أخبرني أينَ الحُب عندما تُجَرُ الفتاةُ لِـ قفصِ الحبيبِ , أقصدُ صدرهُ فيعبثُ بِ شرفِها و يُهدِرُ حياءها ؟ أينَ الحُب , و نحنُ نرى المرأة في مجتمعنا تخرجُ مع الرجلِ لِـ تُرضي غرائِزها الجنسيّة ليسَ إلاّ ؟ أيّن الحُبُ يكون , عندما تُرهقُ رأسك في السهرِ على ذكرى المحبوب لتكتشفَ أن محبوبتكَ تسهرُ على صوتِ رجلٍ أخر ؟ أينَ الحُب , عندما يتزوّج والدكَ بِ إخرى غيّر أمك , دونَ أيّ ذنب , فقط لأنّ أمكَ تجاوزت الأربعين ؟ أيّنَ الحُبُ يكون , عندما يتعلّقُ فيهِ قلبان , و يقفُ كُلّ المجتمعِ بِ سكاكين خلفَ هاذان القلبان , يحلفونَ بِ قتلِهما أو تفريقهما ؟ أنظر لنفسك , أنظر لحالتك , أيّن الحُبُ عنّك الآن ؟ أيّن أنتَ عن نفسكَ الآن ؟!
.. الحُبُ في القلبِ يا ياسر , الحُبُ هوّ الروحُ التي تحمِلنا فوقَ خطايانا و خطايا مجتمعنا , و تجعلنا نعيشُ بِ كرامةٍ و تصالح مع أنفسِنا .
.. الحُبُ لا يطعمُ جائِعاً , و لا يبني منزِلاً , و لا يُغيّرُ تقاليدَ مجتمع , و لا يُغني مِن حُزن , إلتفت لِـ مستقبلك , وحده نجاحكَ ما سينتشلكَ مِن حُزنٍ و غُربة .


تركني ياسر و ذهب , و تركَ في قلبي جُرحاً أعمقُ مِن حنيني إليّكِ , أنتِ مُختلفة , أحببتُكِ لأسبابٍ مختلفة , و تركتُكِ لأسبابٍ أخرى مُختلفة , ربما أنا من إخترتُ أن تكونَ علاقتي بِكِ لا تُشبِهُ علاقاتِ الحُبِ الغيّر متزنة في بلدنا , و ربما لأنّكِ لم تُخلقي مِن ضلعٍ أعوجَ بل مِن سنديان الجنّة و عجنتي مِن عِطرها و وردِها , لهذا قررتُ في نفسي أن تبقى علاقتا معلّقة , كي تبقي تتدليّن مِن ضِلعِ صدري تفوحينَ بِ عِطرِ المولى !


- بِ عضّها لِـ شفتيّها , تُسيّرُ عُمري :



لم أكن أظنك قريبة من الله , ربما لأنك كنت تبيحين لي كُل شي , كـ صوتك , و لقاءك , و النظر في وجهكِ و مس أصابِعك !
و لكنّ خُيّلَ إليّ في كُلّ لِقاءٍ لنا , أنّ نِصفَ الحياءِ خُلِقَ لبناتِ جنسكِ و النصفُ الآخر خُلقَ فيكِ .. و في كُلّ مرّة أرى جانِباً جميلاً في شخصيّتكِ , كـ عاطفتكِ التي لا تُغادِرُ وجهكِ , و كـ حنانِكِ معَ الصغارِ الذين يتزاحمونَ على أبوابِ المقاهي لبيعِ الحلوى أو المناديل الورقيّة .. و أظنُ أنّ قلبكِ الجميل , يجذبُ إليّكِ خلقَ الله أجمعين .. لهذا لن أستغربَ طِفلاً يداعبُ يديّكِ , و لا عجوزاً يبتسمُ في وجهكِ , و لا سماءً تُشرِقُ بِ نظرةٍ مِنكِ , و لا حتى وردة تتفتحُ قُربَ شفتيّكِ .. كُلّها كائِناتُ الله الذي يُحبّكُ , و أنا كـ غيري مِن مخلوقاتِ الله .. أحبكِ , أحبكِ !
ياه في أوّلِ لقاءٍ بيننا , كانَ هُناكَ شيءٌ في ملامحكِ يشدني إليّكِ و كأنني أعرِفُكِ , و كانَ صوتُكِ مُحبباً كـ أنّما أذنَ في أذني منذُ المهدِ .
كنتِ تجلسينَ على الطرفِ الآخر للطاولة , و أنا أجلسُ مُقابِلاً لِوجهكِ , كنتُ أشعرُ بِ دفءٍ عميقٍ إتجاهكِ , و كأنّما إلتقيّتُكِ مُسبقاً في حياةٍ سابِقة , و كأنّما عشتُ و كبرتُ في عينيّكِ , فأنا أتذوّقُ شهدهما و أنتِ تجلسينَ بِلا حراكٍ أمامي .
أصابِعكِ تتحرّكُ بِ سمفونيّةٍ تفضحُ إرتباكاتكِ , و عينيّكِ لا تستقرُ في مكان , و كأنّما تُدارينَ خجلكِ الذي لم تفلح عباءتُكِ رُغمَ إتساعِها و إتساعِ أكمامِها بِ مُداراتهِ .
كنتُ أتمنى لو أنني إحدى الزخارِفِ المنسوجةِ بِ عناية على كُمِ تِلكَ العباءة , فألازِمكِ في كُلِّ مشاويرِكِ , و أكونُ أقربَ لِـ قلبكِ عندما تقتربُ كفّكِ مِن نحرِكِ , فتتدلى ذراعُكِ على صدركِ , كأنّكِ تحملينَ سلّةَ فرح , أو سلّةَ عُمرٍ لا يُختصرُ جمالهُ في جُملة .
تبادلنا أحاديثاً عاديّة جداً .. و أخبرتني ما فعلتِ في يومكِ , و كيفَ خلقتِ مليونَ عُذرٍ لأهلكِ , كي يسمحوا لكِ بِ الخروجِ من منزلكِ , و أفصحتِ لي عن سعادتكِ بِ كونكِ معي .. رغمَ أنّي لم احصل منكِ على قُبلةٍ او حُضن دفء وقتها , إلى أنّي وصلتُ بِ فضلِ شفافيّةِ ابتسامتكِ إلى السماءِ .
قابلتُكِ بعدها أكثرَ مِن مرّة , و في كُلِّ مرّة كنتُ أترُكُ فُسحةً لِـ تخيّلِ شفتيّكِ في قُبلة .. و لم أكن أتجرأ على طلبِ تلكَ القُبلةِ منكِ .. كنتُ فقط أتوقُ لِـ إمتزاجِ ماءِ شفتيّكِ بِ طرفِ فمي .. و لكنّ إمتزاجَ وجهك في عينيّ كانَ يُذيبُ بي أيّةَ رغبةٍ أخرى . أذكرُ جيّداً لقاءنا الأخير , لم تحكمي بِ دموعِكِ عندما أخبرتُكِ أنّي قطعتُ تذاكِرَ سفري , و إرتميّتِ بِ كامِلِ أنوثتكِ على صدري ..
لا أدري وقتها , هل أبكِ لِـ بكائِكِ , أم أغرقُ بِ فرحِ قلبي , كانت المرّة الأولى التي أشعرُ فيها بِ دفئِكِ الحقيقي , و أتنفسُ رائِحتكِ بِ عُمق , في الحقيقة تنفستُكِ بِ ضميرٍ , و كأنّكِ آخرُ أنفاسي في هذهِ الحياة ,
تنفستُكِ إلى أن إلتصقت رائِحتكِ بِ رئتيّ , فأصبحتُ أحملُكِ ليسَ فقط داخلَ قلبي , بل داخِل صدري أيضاً .




- تائه في شوارِعِ الحُزن :




تتابعت الأيام , بِ روتين هادئ , دونَ أيّةِ أحداثَ جديدة , و جوليا لم تظهر منذُ ذلكَ اليوم , ظننتُ أنّها سافرت لِـ زيارةِ أهلِها , فهيّ لا تُطيقُ المكوثَ معَ رجلٍ أكثرَ مِن أسبوع .. و لها الآن قُرابةَ الـ أسبوعين متغيّبة عن كُلِ حياتي .
وجود جوليا في أيامي , لم يغيّر مِن مشاعري إتجاهَ ندى , و لكنّ يجبُ أن أعترفَ أنّها غيّرت من نظرتي لِـ هذهِ المدينة , حيثُ أنّي أصبحتُ أتقبلها بِ صدرٍ أوسع .. و بِ صبرٍ أكبر .
كانت جوليا تُحاولُ منحَ نفسِها و منحي فُرصةَ حُب , فقد أفصحت لي في إحدى الليالي عن رغبتِها في الإستقرار إن قبلتُ أن أكونَ صديقها , و حبيبها ..
لا أدري هل هيّ الآن تُعاقِبُ رجُلاً آخر ؟ على عدمِ إستقرارِها معي ! ,
على أنّها لم تجد في وجهي جواباً شافيّاً ؟
كيفَ لها أن تتجاوزَ كُلّ السعادةِ المسروقةِ مِن وجهي الميّت .. عندَ الحديثِ عن علاقةٍ أخرى غيّرَ ندى ؟ كيفَ لها أن تتجاوزَ ندى التي سكنت قلبي بأكمله , بل روحي بأكملِها و أعلنت أنّ قصي لا يقبل القسمة على أخرى ؟!
بسببِ أحاديثُ جوليا السريّة معي , التي تتحاشى دائِماً أن تُظهِرها أمامَ غيّري , و بسبب كُل هذهِ الثقة التي منحتني إياها , ما كنتُ أستطيعُ صدّها كـ غيرِها مِن نساءِ هذهِ المدينة .. كانَ هُناكَ شيءٌ من بقايا حياتِها تُخفيه عنّي , و كنتُ أتيقنُ كُلّ يوم أن هذا الشيء عظيمٌ جداً .. و إلا لما أخفت دمعةً في عينيّها كُلّما سألتُها : كيفَ أنتِ ؟ ..
و لكنّ صمتي معها , يجعلني أحترِمُ سِرها أيضاً ..
ظَلّ السِرُ في داخِلِ جوليا , و لم يتجاوز إليّ أبداً , و أخبارُ جوليا ما عادت تصِلُني , فقررتُ أن أذهبَ و أسألَ عنها في منزِلِها , فأنا أعلمُ أنّها تسكنُ مع إحدى قريباتِها في شارِعٍ مُجاور لتلكَ الحانة التي شهدت لِقائي العجيب بِها .
وصلتُ إلى منزِلِها , كانَ الوقتُ متأخِراً بعضَ الشيء , و كانت كُلُ الستائِر مسدوله , و الأضواء مطفأة , لم أسمح لِـ اصبعي أن يأخذَ نفساً عميقاً فوقَ جرسِ الباب , إنتظرتُ قليلاً في الخارج و لم يفتح أحد , أدركتُ أن لا أحدَ في المنزل , أخرجتُ ورقة و كتبتُ فيها : جوليا .. أكانت أيامكِ مزدحمة كِفايّة , لتنسي صديقكِ ؟ جئتُ إليكِ , أسألُ عنكِ كي لا أتركَ مجالاً أكبرَ للتوسّع , قصي .
بدأ سِرُها يتفشى , حتى وصلَ إليّ و تجاوزني و أنا أقفُ مذهولاً في مكاني , لم يكن بادياً في إشراقةِ حضورِها أنّ أعمِدةَ صحتها في تدهور , و ما كنتُ أتخيّل و هيّ تتباهى بِ جسدها الأنثويّ , أن كُلّ تلكَ الفتنةَ تُخبئ سرطانٌ لعين !
زُرتُها في المَشفى , و تبادلنا حديثاً مفعماً بِ الأمل , و لكنّ وجهي ماكانَ يُبشرُ بِ الخيّر , و وجهها كانَ مريضاً جداً , قالت بِ صوتٍ خافت : لا تحزن عليّ , و لا تقلق فأنا مُتسامحة مع نفسي , و راضيّة بِ الوقتِ الذي أهدرتهُ في حياتي , أنا يا قصي عشتُ كيفما أحب , لم أحرِم نفسي مِن أيّ شيء , لم أتخاذل عن تقديمِ الأفضلِ لنفسي , لهذا أنا مُتصالِحة مع نفسي , وحدكَ من غيّرتَ بعضَ معتقداتي , فما عدّتُ أعرِضُ فتنتي على الرِجالِ مِن أجلك , أحببتُك , و أحببتُ صداقتنا القصيرة أكثر .
غادرتُ جوليا , و أنا أجرُ قدميّ , و أفكر في حديثِها عن مُصالحةِ الذات , و أفكِرُ فيكِ " ندى " , كيفَ أتصالحُ مع نفسي و أنا أبعدُ نفسي عنكِ .. كيف !
أخبرني بعدها ياسر أنّها إنتقلت إلى السماء , أبقت سُرعةُ موتِها على صمتي و دهشتي طويلاً .. كان يخيّلُ إليّ أنّي في زيارتي لها عكستُ عليّها مخاوفي , و حُزني , و قلقي , و صدمتي دونَ أن أدري , فكنتُ أنا النهرَ الذي قدمَ لها إستسلاماً أغراها بِ مُغادرةِ الحياةَ سريعاً .. و لكنّي لا أنكرُ أبداً أنّها إرادةُ المولى , و لا إعتراضَ على قضاءِ الله .


- متفرّعة في صِدري , تدلّني عليّها :





أصبحت كُلّ الليالي مأوى للسهر , كانت كُلّ المدينة تُغري بِ عزلةٍ و وحدةٍ عميقة , و أنا لا يوجد في رأسي سوى الأصواتُ الغائبة عنّي , لم يكن موتُ جوليا ليؤثرَ على سيرِ حياتي لولا كلماتُها الأخيرة , و ما كانت جوليا ستتسببُ بِهذا الحُزنِ لولا أنّي كنتُ أرى وجه ندى في عينيّها عندما تكونُ أمامي تتحدّثُ بِ لباقة , و فوضويّة شهيّة ..
كانَ تناقُضُ جوليا يُشعرني بأنّ فيها امرأتين , جوليا و ندى , ربما فكرةُ رؤية ندى في وجهِ جوليا كانَ يخفف عنّي حنيني , و أنا الآن أقفُ وحدي , بِلا نداي , و بِلا وجهها المعقودِ في ملامحِ صبيّةٍ أخرى .. أيقنتُ أنّي كنتُ مُخطئاً جداً عندما رسمتُ ندى في عينيّ جوليا , و أظنني ما كنتُ أرسمُ إلّا نفسي .
أشتاقُ إليّكِ , و أشتاقُكِ , و أحبكِ في مِثلِ هذهِ اللحظاتِ التي أتوهُ فيها عن كُلّ الدُنيا و لا أتوهُ عنّكِ فأجدكِ في قلبي .. متمددة بِ كامِلِ أنوثتكِ , تبتسمين .
حاولَ ياسِر جاهِداً إخراجي مِن عُزلتي , بِ إهدائي بعضَ الدعواتِ لحضورِ مُبارياتِ كُرةِ القدم , و لِـ حضورِ السنما و المسرح , و لكنّ كُلّ مُحاولاتهِ فشلت .
في إحدى الليالي , كنتُ أتسكعُ في الشوارِعِ كعادتي , شارِدَ الذهنِ , أفكِرُ في صوتِكِ الغائِب عن أيامي , دخلتُ غُرفتي في وقتٍ متأخر , و لا أعلمُ ما سرُ الرغبةِ العميقة في تشغيلِ تلكَ الموسيقى التي أهداني إيّاها العم مصطفى في وقتٍ سابِق , تلكَ الموسيقى التي أدخلتني لِـ دوامةٍ أكبرَ مِن الحُزنِ و الندم , أخبرني العمُ مُصطفى أنّها ستوصِلني للصوابِ و لكنّها ضاعفت متاعبي ..
ربما لِـ حاجتي لِـ حُزنٍ أكبر , غيّر الحُزنِ المُتفشي مِن قلبكِ لِـ قلبي , أدرتُ تلكَ الموسيقى و إستلقيتُ على فراشي ,
نظرتُ لِـ سقفِ الغرفةِ الأبيض , و أنا أفكر و أذنايّ تتسابقُ على ألحانِ تلكَ الموسيقى : ندى كانت تُحبُ اللونَ الأبيض , ثُمَ أضحك .. و أكملُ : أنا كنتُ أحبُ طيشها لهذا تلوّنتُ بِ لونِ طيشِها , و مازلتُ أحمِلُ الطيشَ في دمي .
استسلمتُ للموسيقى و صمتُ شفتيّ ,
بدأت الألحانُ تأخذني إلى بحرٍ عميق , و أنا أتنقلُ بينَ أشرِعةِ المراكِبِ , و أنتِ تُمسكينَ بِ يدي , و تشدينَ على أصابِعي كُلّما أخفى شِراعٌ ما وجهي عنّكِ ,
إقتربَ مِنّي طفلٌ صغير , سرقَ إنتباهي عنّكِ , أنزلتُ نفسي لِـ مستوى خدّهِ و قبلّتهُ , ف ابتسمَ لي , و أذنَ في أذني بِ إسمكِ .
إستيقظتُ مِنكِ و أنا متيقن , أنّ الصوابَ أنتِ .. رفعتُ سماعةَ هاتفي , اتصلتُ بِ ياسر ..


.. ياسر , عدتُ إلى رُشدي .
.. الحمد لله , أخيراً ! و كيفَ ذلكَ يا بطل ؟
.. سأعودُ لِـ ندى .
.. أنتَ مجنون رسمي !!!
لم أكترث لردةِ فعلِ ياسر , أغلقتُ السماعه و أنا أشعرُ بِ أنّ الدُنيا تضحكُ لي مِن جديد .




- حُزني الغارق على خديّها :



بدأتُ إجراءاتِ العودة ترددتُ على السفارة السعوديّة كثيراً لأخذِ الموافقه , و تنقلتُ بينَ مكاتبِ المسؤولينَ في الجامعة لِـ إخلاءِ مقعدي و ذمتي , و جمّعتُ كُلّ التواقيعِ اللازمة . . كنتُ سعيداً و كانت سعادتي هذهِ تُثيرُ حيرةَ الجميعِ , حتّى أنهُ همسَ في أذني إحدى المُدرسين : هل حصدتَ كنزاً في وطنك ؟
ليتهُ يعلمُ أنّكِ الكنزُ الذي لم يُخلقَ في هذا الكونِ سوى مِن أجلي .
الآن أنا حُرٌ طليق , سأكمِلُ حُلمي معكِ يا ندى , فأنتِ الحُلمُ و بعدكِ كُلُ الأحلامِ هباء !
حجزتُ على أقربِ رِحلة إلى دُبي , فـ الرحلاتُ إلى جدة كانت تحِملُ تواريخاً متأخرّة , و أنا لا أطيقُ إنتظاراً . .
في اليومِ الذي سبقَ رِحلتي , و أنا أرتبُ أمتعتي , و أشعرُ أنّها أخفُ حجماً مِما كانت عليّهِ , فأنا كنتُ أحمِلُ همّاً و حُزناً أكبرَ مِن كُلِّ مطاراتِ ألمانيا . . كانت رغبة كبيرة في عُمقي تصرخُ بي : إتصل بِ ندى !
فتحتُ هاتفي و كتبتُ رقمكِ المحفور في رأسي , فتحتُ مُكبّرَ الصوتِ لِـ أسمعكِ في كُلّ الغُرفة , لأُسمِعَ كُلّ الأمتعة صوتَ حبيبتي , لأسمِعَ كُلّ الأشياءِ التي شاركتني ذِكراكِ .. حنانَ صوتك .


.. ألو ؟ " بدأتُ مُتسارِعاً على غيّرِ عادتي "
.. ألو , من ؟ " شعرتُ أنهُ ليسَ أنتِ , و لكنني ظننتُ أنّ فرحتي بِكِ , جعلتني لا أميّزُ صوتكِ " .
.. ندى ؟ " بِ لهفة , بِ شوق , بِ حُب , بِ كُلِّ الأشياءِ الجميلة التي أحملها لكِ في صدري " .
.. اممم , قصي ؟ " بِ تعجب "


صمتُ لِـ لحظة , أصفعُ نفسي في رأسي , و أقولُ لِـ نفسي : هذهِ ليست ندى !


.. نعم , قصي . " و أنا أضعُ يدي على قلبي , بعدَ أن إنطفأت لهفتي , و بدأ الخوفُ يجتاحُني " .
.. امممم , قصي ندى بحثت عنكَ طويلاً , و لم تستطع الوصولَ إليّك , أظنّها كانت ستكونُ مطمئنّةً أكثر في فِراشِها الآن لو أنّها سمعت عنّكَ خبراً يُرضي فيها قلقها عليّك و خوفها من أن يكونَ قد أصابكَ مكروه .
.. من أنتِ ؟ و أينَ ندى !!
.. أنا رغد أختُ ندى الصُغرى .
.. و أينَ ندى ؟ هل هيّ مريضة ؟ هل تشكو من شيء !!
.. أدعُ لها يا قصي , ندى الآن غافيّة تحتَ التُراب





أنا أحبكِ يا ندايّ , و حُبكِ أعمقَ مِن شريانٍ سارَ فيهِ اسمكِ , و أكبرَ مِن قلبٍ حملَ روحكِ , و أعظمَ مِن ذكرى مشتعلة في صدري , لا أحبُكِ كـ سماء , و لا أحبّكِ بِ عددِ ثمارِ الأرضِ , فأنتِ بالنسبةِ لي روحُ الجنّةِ التي لا نعلمُ إتساعها أينَ سيأخذنا ..
أنا أحبكِ يا ندايّ , و ليتَ حُبّكِ يتوقفُ على قصيدةِ رِثاءٍ تُزرعُ فوقَ جسدِكِ الغافي , فتأكُلُ الطيرُ مِن حُزني و يُثمِرُ حُزني في جوفِكِ روحكِ التي تركتِها في جسدي .
أنا أحبكِ يا ندايّ , و ليتَ هذا الحُبَ كانَ أقوى مِن ضعفي بعيداً عنّكِ , ليتَ هذا الحُبّ شدّني مِن ذِراعي قبلَ لحظةِ رحيلكِ الأبديّ , ليتَ هذا الحُبّ سقاني لكِ دواءً في مرضكِ , ليتَ هذا الحُبَ تطاولَ على عُزلتي عنّكِ و حملني إليّكِ و حملني معكِ إلى حيثُ أنتِ .
أنا أحبكِ يا ندايّ , بدأتُ لا أرى وطناً بعدَ أن غابَ عنّي صدركِ , و لا أرى حياةً بعدَ أن رحلَ عنّي قلبكِ . .
أنا أحبكِ يا ندايّ , و إيماني فيكِ في قلبي , لن يتتخاذلَ أبداً .



مزّقتُ التذاكِرَ و أنا أعلمُ أن لا طائِرات ستحمِلُني إليّكِ .






يتبع ..

هناك 22 تعليقًا:

  1. انتي حلوووه مره

    القصه تجنن .. متابعه لك و لحرفك يا قمر
    و استنى التكمله على أحر من الجمر ..


    و أحوبك :)

    ساره،

    ردحذف
  2. كيف للحب أن يفعل هكذا ؟ :(
    رائعة أنتِ (F)

    متابعه لكِ :)

    ردحذف
  3. مُبدعه وأكثر ..
    آي فتنه حرف هذي ..!

    ردحذف
  4. حرفكـ فتنهـ :)
    أستمري (F)

    ردحذف
  5. جنون من الحرف الممزوج بـ أغنية عشق صماء.. اخذتنا برحلة حول الهوى و الاصغاء ,,
    اطربتيني حدالشبع من المفرده
    التي تلونت بها هذا المساء عند قرائتي
    لتك المعجزه ..

    ابدعتي بجنوووون

    ردحذف
  6. صباح الخير
    يؤسفني انا ابلغك انا نصوصك طالتها يد السارق
    هناك اشخاص ينسبون نصوصك لهم ويحرفون في بعض كلمات نصوصك
    احترامي لك

    ردحذف
  7. سارة /

    و عينيّكِ الأجمل يا صديقةَ المكان ..
    و التتمة ستكونُ في الأيامِ القليلة بينَ أيديكم .

    أهلاً + جورية .

    ردحذف
  8. ريم /

    صباحُ السوسن الغافي على خدِ أمنيّة ,
    أخبؤها بينَ عينيّكِ :
    كونِ دائِماً هُنا .

    + (f)

    ردحذف
  9. يا صوتاً أجهلُ مصدرهُ ,
    أحببتُ وجودهُ ,

    فأهلاً كبيرة يا جميلة .

    ردحذف
  10. منيرة /

    مترفٌ وجودكِ , و الحرفُ بِكِ يعمر !
    أهلاً دائِماً + ياسمينة بِ لونِ قلبك .

    ردحذف
  11. الوردية /

    المعجزات تُخلقُ بِ فضلِ نورِ حضورِكِ ..
    فـ أهلاً بِ الضوء و بِ صاحبةِ الضوء .

    (f)

    ردحذف
  12. منيف /


    صباحُ النور ..
    في عالم الشبكة العنكبوتية , لن أضمنَ حقوقَ حرفي ,
    و يبقى بريقُ الحرفِ لِـ صاحبهِ !
    و يكفيني فخراً أنهُ حرفي !

    و لكن بِ صدق أضمن محبةَ القراء و حِرصِ الأوفياءِ منهم على الإعتناءِ بِ حرفي أينما كان .

    شُكراً لِـ حرصكَ أقدرُ لكَ هذا مِن قلب قلبي .

    ردحذف
  13. هذا هو حآل القدر يسلب الاشيآء التي نحبهآ بقسوة,
    كم هو جميل ذلك الحرف الذي خطته آيآدي مبدعة ف جعلت منه سحرآ يلهف قلوبنآ ,
    آحببت مآ كتببتيه كثثيرآ ..

    ردحذف
  14. القدر يغيّرُ فينا كُل ما فينا ..
    و نبقى نقفُ بِ ذكرى نخبؤها بِ عناية في تفاصيلنا حتى لا تتبدّل كـ كل الأشياء حولنا .


    мάŁч sнвέн

    حضرتِ كـ الربيع , و حملتِ معكِ بهجة و جدائِلَ فرح صُبت مِن كفيّكِ على أرضِ المطر ..
    أهلاً بِك .. و بِ اعجابِكِ .

    ردحذف
  15. جميله هي تلك الحروف المسطره داخل أروقة صفحاتك المليئه بعبق الخيــال |.. استمري أيتها الصغيره المغروره ^_^

    ردحذف
  16. و جميلٌ هوّ قلبكِ عندما يضيء قناديلَ السهرِ .. و يسكبُ الفرحَ في ليلي ,

    أهلاً دائماً . (F)

    ردحذف
  17. آآآه مبدعه وربكَ
    أتعلمين قبَل أنّ أقرآ التعليقآت نسبتّهآ لكِ
    وآبكيَ لحزنّ قصي لفرآقه لّ مدى ): وبكذبةَ

    /

    فقط أنا ودمعيّ هُنآ ..
    أحُبكِ يَ مدَى ،

    ردحذف
  18. عابِره /


    أحبكِ الله الذي أحببتني بِهِ ,
    و هذه المحبة جِسر لا يُقطع . . فوقَ جنّةِ مودة
    تُلازِمُ اسمكِ كُلما عبرَ من بينِ حرفي !


    دمعُكِ و قلبكِ
    و كُلُ ما كان منكِ , هنا . .
    أجملَ معزوفة . .

    كوني بِ خير يا جميلة
    سعيدة بِكِ جداً , أهلاً كبيرة + (F)

    ردحذف
  19. رائعة لحد البكاء
    مُحزن النِهاية كُنت
    هُنا لأستمتعكِ مُترفة الحَرف

    ردحذف
  20. أهلاً بروحك في سماءِ الحرف .

    ردحذف
  21. حرفك الوحيد الذي يجذبني لإعادة قرائته مرارآ وتكرارا دون ملل -!

    ردحذف

تحتَ بابي , قلبٌ غافي , فرفقاً بِ خلوتهِ .